على أن ما يجعل الأبحاث الخاصة بهذه الأشعة تختلف عن كل ما عداها من الأبحاث العلمية: هو عدم الجزم بمعظم النظريات الخاصة بها حتى الآن. فمعلوماتنا ما زالت لا تُجيز معرفة خواص إشعاع له مثل هذه الطاقة، حتى أنه لا يجوز لنا أن نُعامل هذه الظواهر بالطرق المعروفة في الضواهر الطبيعية الأخرى، فمثلاً لا يجوز لنا أن نجزم بأن طاقة هذه الأشعة تتناسب مع قوة اختراقها للمواد. ومما يزيد في صعوبة دراسة هذه الأشعة العجيبة افتقارنا إلى نظريات معقولة بصددها؛ وليس الأمر أن لدينا من النظريات ما نُفاضل بينها ونَتخير الأوفق منها، بل إنه ليس لدينا نظريات معقولة إطلاقاً. حتى أن بعض العلماء يميل إلى اعتبار الأشعة الكونية حالة علمية جديدة، تختلف قوانينها عن حالة العالم، أو الكون الذي نعيش فيه اليوم؛ وإنه ليس من المحال أن تكون هذه الأشعة بقايا (أركيولوجية) ترجع إلى تاريخ بعيد جداً في الوجود، يقدر من السنين بالآلاف من الملايين، كانت الدنيا فيه أحدث عمراً، وكانت تختلف الطاقة والقوى والقوانين كل الاختلاف عن عهدنا بها اليوم
على أننا ندع مؤقتاً فكرة العلماء هذه، ونسير بالقارئ أولاً إلى التعرف عن الناحية الشَّيْئِية أو الفعلية عن هذه الأشعة.
ثلاثة أمور أدركها العلماء، وعرفوها في الظروف العادية، خاصة بهذه الأشعة:
الأمر الأول: تصل لنا جسيمات صغيرة مكهربة كأنها قذائف وتخترق أجسامنا بسرعة كبيرة، وقد دلت عليها مسارات مستقيمة هي أثر لعملية التأيين الحادثة من مرور هذه الجسيمات
الأمر الثاني: عندما تلتقي هذه الجسيمات السريعة بالمادة، وبالأحرى بكتلة هامة منها كقطعة سميكة من الرصاص، تظهر في المادة حزمات لجسيمات أخرى مثل نيترونات أو بوزيتونات أو ذرات ثقيلة، تقذف من المادة نفسها بعيدة عن مركزها الأصلي بسبب مرور جسيمات هذه الأشعة فيها.
الأمر الثالث: يحدث كل هذا، أي تصل هذه القذائف، ويقع هذا التخريب في المادة، في أي زمان ومكان على سطح الأرض تقريباً بالنسبة ذاتها، فترانا معرضين لفعل القذف المستمر