وما كلاب الصيد المعروفة الآن بهذا الوصف إلاّ كلاب عادية تدرّب أجدادها على تلك الصفة إلى أن أصبحت غريزة فيها
ومن أهم العوامل التي قربت بين أفراد النوع الإنساني في بادئ الأمر ظرف طارئ طبيعي محض هو قيام العصر الجليدي الأمر الذي اضطر أفراد الإنسان أن تلجأ إلى المغاور والكهوف لتتقي البرد القارس الذي اشتد في ذلك العصر البعيد. ونظراً لأن عدد تلك الملاجئ كان محصوراً عاشت الناس فيها بطبيعة الحال جماعات جماعات. وإلى ذلك العصر يُعزى تعلم الناس تغطية أجسامهم بجلود الحيوانات الأخرى ليحموا أنفسهم من البرد الشديد. فترتب على ذلك من جهة قيامُ غريزة الحياة فيهم، ومن جهة أخرى زوال معظم الشعر الذي كان يُغطي أجسامهم
وحين وصل النوع الإنساني إلى درجة تذكر من التفكير نشأت الأنظمة السياسية البسيطة والشرائع الأولية فزادت في تقريب الناس بعضهم من بعض، وتوثيق عرى الروابط الاجتماعية بينهم، ونظمت قواعد الأخلاق ورغّبت الناس فيها بما صورته لهم من العقاب لمن خالفها والثواب لمن اتبعها
ومن الأسباب التي ساعدت أيضاً على ربط الناس بعضهم ببعض التجارة والمعاملات وتبادل المحصولات والصناعات بين الأفراد والجماعات
ومن العوامل القوية في تحضير الجماعات البشرية وتمدينها ووضع حد لحالة البداوة والتنقل، الزراعة وما تستوجبه من البقاء في الأرض لرعاية المزروعات وجني محصولاتها. ولا يفوتني أن أنوه هنا بفضل نهر النيل العظيم وفيضاناته السنوية وما يعقب كل فيضان من خصوبة في الأرض لا مثيل لها، وأن بعض علماء الاجتماع يرى أنه هو الذي علم الناس الزراعة، ولذلك كانت مصر منشأ المدنية وأصل الحضارة في العالم
ثم ارتقت الحياة الاجتماعية فنشأت فوق الغريزة الاجتماعية (التي بين مظاهرها القومية أو الوطنية) عاطفة جديدة في الأمم الراقية هي عاطفة الإنسانية أي حب مجموع البشر بلا تمييز بين الأجناس والملل، كما وجدت فوق القواعد الأخلاقية الأصلية التي أصبحت غريزية أو كادت على الوجه المتقدم بيانه، ما يسمونه بآداب السلوك وقواعد التربية وحسن المعاملة