للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبالجملة فإن الأساس العلمي الصحيح للغريزة الأخلاقية أو غريزة الخير والشر إنما هو المصلحة - مصلحة المجموع قبل كل شيء - وعلى هذا يكون التعريف الطبيعي للفضيلة أنها كل ما يعود على المجتمع الإنساني بالخير، والرذيلة كل ما يلحق به من الضرر. وفي مصلحة المجموع مصلحة كل فرد على وجهها الصحيح كما تقدم بيانه

على أن الغريزة الأخلاقية قد رسخت الآن في نفوس الأمم المتمدينة وعلى الأخص في شمال أوربا، وتجردت في الظاهر من صفتها المصلحية أو النفعية إلى حد أن أصبحت تلك الشعوب تحب الفضيلة لذاتها وتمقت الرذيلة وتنفر منها لأنها رذيلة ليس إلا

وليس النوع الإنساني هو النوع الاجتماعي الوحيد بين الحيوانات، فإنه توجد أنواع أخرى أعرق منه في الحياة الاجتماعية وأقدم مثل أنواع النمل التي تغلبت فيها الغريزة الاجتماعية وبالتالي الأخلاقية على الفردية أو غريزة حب البقاء. فترى أفراد تلك الأنواع تقوم بأشق الأعمال مثل حفر السرادب تحت الأرض، أو البحث عن الغذاء، ونقله المسافات الطويلة وادخاره لمصلحة المجموع. وهي تفعل هذا في نشاط، وبمحض إرادتها دون أن يأخذها الكلل أو الملل، ودون أن يكون عليها رقباء منها يدفعونها إليه. بل هي الغريزة الاجتماعية، وما يتبعها من الغريزة الأخلاقية، التي تحملها على ذلك. وكثيراً ما تضحي أفراد النمل بنفسها، وتقدم حياتها عن طيب خاطر إذا ما دعت مصلحة الجماعة إلى ذلك، وهي تتحلى بهذه الفضائل الحميدة بفطرتها الغريزية نتيجة حياتها مجتمعةً مدة ملايين السنين منذ أوائل العصر الثاني من الأعصر الجيولوجية.

أما النوع الإنساني فلم تتمكن فيه بعد الغريزة الاجتماعية والأخلاقية إلى هذا الحد، لأنه حديث العهد بالحياة الاجتماعية حيث أنه لم يمض عليه إلا نحو مائتين وخمسين ألف سنة، وهو على هذا الحال لأنه ظهر في أواخر العصر الثالث.

وخلاصة القول أن الأخلاق ليست وليدة تعاليم خاصة، ولا هي وقف على مذهب دون آخر أو طائفة دون غيرها، وإنما هي ظاهرة طبيعية تطرأ على الحيوانات الاجتماعية مثل الإنسان والنمل نتيجة لازمة لحياة أفرادها جماعة، وقد أصبحت غريزة متأصلة في أنواع النمل، وهي غريزة في دور التكوين في النوع الإنساني

على أن الأخلاق سوف تتأصل في الإنسان مع مرور الزمن الطويل، وترتقي بارتقاء حياته

<<  <  ج:
ص:  >  >>