توفيق أو بالأحرى استطاع رياض أن يأخذ عليهم مسالك القول والعمل، فسرعان ما اهتدوا إلى الطريق الذي يوصلهم إلى أغراضهم فتقربوا إلى عرابي، فأخذ شريف يراسله ويعقد بينه وبينه أواصر المودة
وحذا حذو شريف زعماء حركة الإصلاح في الأزهر وزعماء النواب مثل سلطان باشا ذلك الذي كان يمثل الأعيان كذلك بحكم أنه منهم، واتضح لهؤلاء أنه يجب عليهم أن يستعينوا بهذه القوة الجديدة لإقصاء رياض عن مركزه، وبعث الدستور الموءود وتحقيق الإصلاح المنشود.
وأصبح منزل عرابي مقصد الكثيرين من الأحرار كما كان موئل رجال الجيش؛ ولم يكن موقف عرابي في الحركة الوطنية موقف الأداة كما زين البغي لبعض المؤرخين أن يقولوا، فلقد كان هو من جانبه من المتمسكين بمبدأ الشورى منذ نشأته، وإنه ليؤكد في كل ما كتب أنه قد طالب في عريضته، فوق ما طلب، بإعادة مجلس شورى النواب، ليكون فيه موئل للمظلومين من الوطنيين في الجيش وغير الجيش.
وكان البارودي وزير الجهادية الجديد، من دعاة الدستور، ومن حزب شريف، ولذلك كان حلقة الصلة بين الجند وبين الوطنيين، وكان كثير الاتصال سراً بعرابي بواسطة علي الروبي حتى لا تدعو كثرة الصلة به جهراً إلى ريبة رياض وحزب رياض، وبهذه الوسيلة كان الجند على علم بكل ما تريده الحكومة بهم.
وهكذا أصبح عرابي ملتقى الآمال، يحرص على الصلة به الوطنيون والجند والفلاحون؛ ولقد بلغ من ذيوع صيته أن أصبح توفيق يغار منه حتى ما يستطيع أن يخفي تلك الغيرة.
ولو أن توفيقا عرف يومئذ كيف يتخذ سبيله وسط هاتيك الأنواء لجنب البلاد ما كانت مقبلة عليه ولتغير تاريخ مصر الذي كان لا يزال مطوياً في حجب الغيب، وما كان للخديو من سبيل يومئذ إلا أن ينضم إلى الحركة الوطنية فتكون البلاد كلها تحت لوائه نوابها وجيشها، ووجوه البلاد وأهلوها؛ وفي ذلك دون غيره سلامتها وأمنها
كانت سياسة توفيق إن كان ثمة له من سياسة عقب حادث قصر النيل أهم العوامل في تطور الحوادث بعده على النحو الذي سوف نراه؛ فلقد وقف موقفاً أشبه ما يكون بوقف لويس السادس عشر من مجلس طبقات الأمة حين أجاب نواب العامة فيه إلى ما طلبوا في