بحت بالشكوى وعندي ضعفها ... لو غدا ينفع منا المشتكى
مالك الأمر إليه يشتكى ... هالك وهو الذي قد أهلكا
شأن داود غدا في عصرنا ... مبدياً بالتيه ما قد ملكا
وبلغت الآمر الأبيات فقال لولا أنه أساء الأدب في البيت الرابع لرددتها إلى حيه وزوجتها به. قال القرطبي وللناس في طلب ابن مياح واختفائه أخبار تطول. وكان من عرب طيء في عصر الأمير طراد بن مهلهل، فلما بلغته قصة الآمر مع الغالية قال:
ألا أبلغوا الآمر المصطفى ... مقال طراد ونعم المقال
قطعت الأليفين عن ألفة ... بها سمر الحي بين الرجال
كذا كان آباؤك الأكرمون؟ ... سألت فقل لي جواب السؤال
فقال الآمر لما بلغته الأبيات جواب سؤاله قطع لسانه على فضوله وأمر بطلبه في أحياء العرب ففر ولم يقدر عليه فقالت العرب ما أخسر صفقة طراد! باع أبيات الحي بثلاثة أبيات. وفي خطط المقريزي أن الهودج بقي متنزهاً للخلفاء الفاطميين بعد الآمر إلى أن خرب وجهل مكانه بالروضة.
قلنا ما أشبه الليلة بالبارحة فقد وقع لوالي مصر عباس باشا الكبير المتولي سنة ١٢٦٤ مثل ما وقع للآمر في بدئه ونهايته فانه كان مشغوفاً بإحدى البدويات أيضا فتزوجها وأسكنها قصرا في ضاحية من القاهرة وصار يتردد عليه خفية ثم كانت نهاية أمره أنه قتل غيلة في قصره بينها سنة ١٢٧٠. قتله مملوكان من الجركس بإغراء رجال الدولة العثمانية على ما قيل لأنهم آنسوا منه ميلا للخروج عن طاعتهم والاستقلال بمصر، وقد أدركنا الناس في مصر يلهجون بحديث البدوية ويروون فيه روايات شتى، وسمعنا العامة يلوكون أغنية قيلت في ذلك الزمن أولها (يا حالي ع البدوية) وقليل من أهل مصر الآن من يعرف هذا الخبر وهو من غريب ما يتفق وقوعه لملكين في مملكة واحدة.
القلعة الصالحة:
وفي أواخر الدولة الأيوبية بنى الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد قلعته بهذه الجزيرة وأنشأ بها الدور والقصور وغرس الأشجار وبنى بها جامعاً وعمل لها ستين