برجاً وأنفق عليها أموالاً جمة فعرفت بالقلعة الصالحية وبقلعة المقياس وبقلعة الروضة وبقلعة الجزيرة واحتاج بسببها إلى هدم أماكن كثيرة من دور وقصور ومساجد ليدخلها فيها وخرب الهودج والمختار، ويقال إنه قطع من الموضع الذي أنشأها فيه ألف نخلة مثمرة كان رطبها يهدى لملوك مصر لحسن منظره وطيب طعمه، ولما كملت جعلها مقر ملكه وسرير سلطانه وأسكن بها جنوده البحرية وشحنها بالأسلحة وآلات الحرب وما يحتاج إليه من الأقوات خشية محاصرة الإفرنج فانهم كانوا حينئذ عازمين على قصد البلاد المصرية. وكان سور هذه القلعة الشرقي مطلاً على فرع النيل الشرقي الذي بين الجزيرة ومصر وكان بها الإيوان الملكي العديم المثال، وفيها يقول ابن سعيد الأندلسي (وكنت أشق في بعض الليالي بالفسطاط على ساحلها فيزدهيني ضحك البدر في وجه النيل أمام سور هذه الجزيرة الدري اللون ولم أنفصل عن مصر حتى كمل سور هذه القلعة وفي داخله من الدور السلطانية. ما ارتفعت إليه همة بانيها وهو من اعظم السلاطين همة في البناء وأبصرت في هذه الجزيرة إيوانا لجلوسه لم تر عيني مثاله ولا أقدر ما أنفق عليه وفيه من صفائح الذهب والرخام الأبنوسي والكافوري والمجزع ما يذهل الأفكار ويستوقف الأبصار ويفضل عما أحاط به السور أرض طويلة وفي بعضها حاظر حظر به على أصناف الوحوش التي يتفرج عليها السلطان وبعدها مروج تنقطع فيها مياه النيل فينظر بها أحسن منظر، وقد تفرجت كثيراً في طرف هذه الجزيرة مما يلي بر القاهرة فقطعت فيه عشيات مذهبات، لم تزل لأحزان الغربة مذهبات) انتهى. واستيعاب ما قبل في محاسن هذه القلعة يطول ويخرج بنا عن المقصود.
ولما ملك المعز أيبك التركماني أول ملوك الدولة التركية البحرية أمر بهدم هذه القلعة ليعمر منها مدرسة المعزية واقتدى به ذوو الجاه فأخذوا كثيرا من سقوفها وشبابيكها وغيرها، ثم لما ملك الظاهر بيبرس البندقداري اهتم بإعادتها كما كانت فأصلح بعض ما تهدم منها، ولما تولى المنصور قلاوون نقل منها ما يحتاج إليه في بناء البيمارستان والقبة المنصورية، ثم نقل منها ابنه الناصر محمد ما احتاج إليه في أبنيته فدب إليها الخراب إلى أن ذهبت كأن لم تكن قال المقريزي وبقي من أبراجها عدة قد انقلب أكثرها وبنى الناس فوقها دورهم المطلة على النيل. قلنا أما موضعها بالروضة فقد صرح ابن اياس (ج ١ ص ٨٣) أنها