للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتتربص لتنقض!

والتاريخ شاهد يثبت للقومية المصرية موقفاً من أروع مواقفها، ومظهراً من أجل مظاهرها، ويضيف بذلك إلى صفحات الحرية في سجله صفحة جديدة لن تبلى الأيام جدتها، أو تبخس أغراض المبطلين قيمتها

همس كلفن في أذن الخديو: (هذه هي ساعتك) فأجاب الخديو: (نحن بين أربع نيران) فقال كلفن: (كن شجاعاً) فتهامس الخديو وأحد الضباط الوطنيين ثم التفت إلى كلفن قائلاً: (ماذا عسى أن أصنع؟ نحن بين أربع نيران، إنهم يقتلوننا)

ويحسن أن نورد ما حدث بعد ذلك على لسان عرابي كما جاء في مذكراته قال: (ثم صاح بمن خلفي من الضباط: أن اغمدوا سيوفكم وعودوا إلى مكانكم. فلم يفعلوا وظلوا وقوفاً خلفي ودم الوطنية يغلي في مراجل قلوبهم والغضب ملء جوارحهم. ولما وقفت بين يديه مشيراً بالسلام خاطبني بقوله: (ما هي أسباب حضورك بالجيش إلى هنا؟) فأجبته بقولي:

(جئنا يا مولاي لنعرض عليك طلبات الجيش والأمة وكلها طلبات عادلة). فقال: (وما هي هذه الطلبات؟) فقلت: (هي إسقاط الوزارة المستبدة، وتشكيل مجلس نواب على النسق الأوربي، وإبلاغ الجيش إلى العدد المعين في الفرمانات السلطانية، والتصديق على القوانين العسكرية التي أمرتم بوضعها). فقال: (كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا). فقلت: (لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً وعقاراً، فوالله الذي لا إله إلا هو إننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم)

فتلفت الخديو إلى كلفن قائلاً: أسمعت ما يقول؟) فأشار عليه هذا بالعودة إلى القصر إذ لا يجمل أن يزيد الأمر بينه وبين عرابي عن هذا الحد. فانصرف الخديو وبقى الجيش في مكانه لا يتزحزح

وأقبل مستر كوكش يناقش عرابياً في غلظة. ويخيل إلي أن هذا الرجل كان ممكن يحسنون دس أنوفهم في كل شيء وكان ذلك منه لغاية كان يخفيها! ومما وجهه إلى عرابي قوله: ألا حق له أن يطالب بالمجلس النيابي وإسقاط الوزارة فذلك من شأن الأمة، أما عن زيادة الجيش فمالية البلاد لا تساعد على ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>