إلى الحوار المسرحي، فقد يطول ما يلقيه الممثل الواحد في القالة الواحدة عن صفحتين أو ثلاث، وهذا ما كان يسخط ارسطو، وما يزال يسخط مترجمي يوريبيدز.
هذا، وينبغي ألا ننسى له براعة تنقله بالنظارة من المشهد إلى الآخر وما يثيره فيهم من الشغف والشوق والتشوف لما بعد. . . ثم ينبغي كذلك أن نذكر أن أجمل الأغاني - ولاسيما أغاني الحب - هي ما نظم يوريبيدز.
أما ما يعيبه بعض النقاد على الكورس في دراماته وعدم قيامه بما جعل الخورس له في سائر الدرامات اليونانية من وصل للحوادث وتمهيد لما يجيء بعد ثم شرح لبعض الوقائع الطويلة التي يتيسر تشخيصها على المسرح، فهل قول مردود لأن الذي صنعه يوريبيدز وحصر به مهمة الخورس في الموسيقى والغناء وسمو منه بوظيفة الخورس، واختفاء ظلاله خلابة من لذة الألم في المشاهد المشجية وجمال الاتعاظ في مشاهد العِبر، وتذوق الجمال في المشاهد المنتزعة من صميم الطبيعة. . وعلى هذا فقد قصر يوريبيدز خورسه على إلهاب الشعور وإذكاء الحس بالموسيقى التي تتفق وكل مشهد من المشاهد، والغناء الذي لا يجيء (نشازاً!) كما نشهد في بعض دراماتنا العصرية.
وطنيات يوريبيدز
لم يتأثر شاعر يوناني بروح بركليس كما تأثر به يوريبيدز، ولم يبد هذا الروح واضحاً جلياً في أدب شاعر كما بدا واضحاً جلياً في كثير من دراماته. . لقد سمعه يخطب قبيل حرب البلوبونيز الأولى وهو يشيد بمناقب أثينا وما حملته من قسط عظيم في تأريخ اليونان حينما حررت شعوبها من أربقة الفرس وتعرضت وحدها للدمار والحريق حتى إذا ظفرت بعدها وطهرت منه البر والبحر عادت تنشئ لجميع الشعوب الهيلانية حضارة رفيعة قوامها الديمقراطية والفن والأدب والفلسفة. . . ثم قال بركليس كلمته الخالدة التي أوردها في تلك الخطبة:(لم لا تحدق الشعوب والقبائل اليونانية كعصبة من العشاق المعاميد حول أثينا؟) ثم ذكر ما لأثينا من الفضل في التعريف بالفضيلة ونقلها من حيز النظريات إلى عالم الدولة ومعائش الشعب وسياسته العليا، وقد خاض يوريبيدز معظم حروب البلوبونيز (بين أثينا وإسبرطة) وكان حظ الوطن يعمر فؤاده بالإيمان، وكان يحزن أشد الحزن لهذه المجازر التي تنشب لأسباب تافهة بين شعبين شقيقين وإن تكن الحرب في