تؤلف الوازرة اليوم فسنطلب غيرك ولا تظن أن ليس بالبلاد سواك فيها بعون الله العلماء والحكماء ولم يكن اختيارك لعدم وجود غيرك لهذا المركز الخطير. . . فاغرورقت عيناه بالدموع ولم يحر جواباً ثم خرجنا من عنده وبعد قليل جاءنا الشيخ بدراوي عاشور (وكيل زراعته) وقال إن الباشا قبل ما عرضته عليه).
وألف شريف وزارته الثالثة وكانت هذه أولى ثمار الثورة، وقد قبل الوزيرين اللذين أشار بهما عرابي، كما قبل ما رجا منه قبوله رجال العسكرية وهو النظر في القوانين الخاصة بالجيش وذلك في نظير أن يخضعوا لحكمه ويبتعدوا عن كل تدخل.
وراحت مصر تستقبل في تاريخها فترة من أسعد الفترات فلقد نالت أمانيها دون أن تراق نقطة دم، وخرجت سالمة آمنة من ثورة جديرة بأن توضع إلى جانب أهم الثورات التي قصد بها الحرية في تاريخ الإنسانية؛ ثورة جديرة بأن توضع إلى جانب ثورة سنة ١٦٨ في إنجلترا وإلى جانب الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية الكبرى؛ ولولا ما كتبه المغرضون المبطلون من الأجانب عنها، وما ضربه الاحتلال على الآذان والقلوب فحال بين المصريين وبين تاريخ قوميتهم الحقيقي لكان لتاريخ هذه الثورة شأن غير هذا الشأن في هذا البلد المسكين.
ولقد كان المستر بلنت في مصر يومئذ فوصف تلك الأيام السعيدة بقوله:(إن ثلاثة الشهور التي أعقبت هذا الحادث لهي من الوجهة السياسية أسعد الأيام التي شهدتها مصر، ولقد أسعدني الحظ بمشاهدة ما جرى فيها بعيني رأسي فلم أتلق معلوماتي عنها بطريق السماع ولو كان ذلك لشككت في حقيقتها. إني لم أر في حياتي ما يشبه هذه الحوادث وأخشى ألا أرى مثلها في المستقبل إن كل الأحزاب الوطنية وكل أهالي القاهرة قد اتفقت كلمتهم هنيهة من الزمن على تحقيق هذه الغاية الوطنية الكبرى، لا فرق في ذلك كما يظهر بين الخديو والأمة، وسرت في مصر رنة فرح لم يسمع بمثلها على ضفاف النيل منذ قرون فكان الناس في شوارع القاهرة حتى الغرباء منهم يستوقف بعضهم البعض يتعانقون وهم جذلون مستبشرون بعهد الحرية العظيم الذي طلع عليهم على حين غفلة طلوع الفجر إثر ليلة مخيفة حالكة الظلام).
تقدم زعماء والعلماء إلى شريف بالعرائض يطلبون إعادة تشكيل مجلس شورى النواب؛