وما كان شريف في حاجة إلى مثل هذا الطلب إذ كان في مقدمة ما ينتويه تقرير مبدأ الشورى وتثبيت قواعد الدستور وليست هذه أولى محاولاته في هذا السبيل.
ودعا وزير الحربية عرابياً، فأفهمه رغبة الحكومة أن يسافر بفرقته إلى رأس الوادي، وأن يسافر عبد العال إلى دمياط. فقبل عرابي ذلك، ولكنه اشترط أن يصدر أمر الخديو بانتخاب النواب قبل السفر، ولا ريب أن هذا الشرط من جانب عرابي خروج منه على ما أخذه على نفسه من عدم التدخل في شؤون الحكومة؛ وهي نقطة لا يسعنا إلا أن نحسبها عليه. بل ونلومه عليها مهما كان ما ينطوي عليه طلبه من خير للبلاد، ومهما كان في هذا الطلب من معاني حرصه على الدستور والحياة النيابية، وبخاصة إذا كان على رأس الحكومة رجل مثل شريف.
أما عن امتثاله لأمر الحكومة بقبول السفر، فهو أمر في ذاته - على الرغم ما أحيط به من اشتراط - يعد من محامد عرابي. إذ يدل على مرونة وكياسة ورغبة في التفاهم شتان بينها وبين ما يعزوه إليه خصومه وجاهلوه من الحماقة والنزق والعنف في كل ما يطوف بهم من سيرته. كما أنه يقدم بطاعته هذه دليلاً آخر على حسن طويته ونبالة غرضه فيما سعى إليه.
وفي اليوم الراب من أكتوبر سنة ١٨٨١ رفع شريف إلى الخديو مذكرة يلتمس فيها موافقته على دعوة مجلس شورى النواب، ولم يكن للخديو من إجابة رئيس وزرائه إلى ما طلب وما كان أغنى توفيقاً عن أن يعطل هذا المجلس لو أنه كان يحسن النظر في عواقب الأمور. إن البلاد اليوم لتحس أنها تصل إلى بغيها نيلا لا سؤالاً، ولسوف يكون لهذا الإحساس أثره فيما هي مقبلة عليه من الحوادث.
وخرج عرابي في اليوم الثامن من ذلك الشهر يقصد السفر بفرقته إلى رأس الوادي، وكان قد سبقه إلى السفر إلى دمياط عبد العال. وسار عرابي بطريق الحسينية حتى وصل إلى مسجد الحسين رضى الله عنه. (فوقف الآلاي مقابلاً للمسجد تعظيماً وإجلالاً لسبط الرسول علي الصلاة والسلام)؛ ودخل عرابي المقام الحسيني مع الضباط:(وأمر بيرق الآلاي على الضريح الشرف). ثم سار بعد ذلك نحو المحيطة. فما كاد يتوسط المدينة حتى ألفى الشوارع مكتظة بالناس، وإنهم ليهتفون باسمه في حماسة ويحيونه تحية الزعيم المنقذ،