وفي المحطة وجد عرابي جميع ضباط الجيش المصري وجمهوراً من الأعيان وذوي الحيثية وعدداً هائلاً من عامة الناس فاحتفوا بمقدمه، وكانت توزع الحلوى وتنثر الزهور في فناء المحطة؛ وكان يتسابق الخطباء والشعراء في تمجيد ذلك جرى اسمه على كل لسان في مصر؛ ووقف عرابي في هذا الجمع خطيباً فقال:(سادتي وإخواني: بكم ولكم قمنا وطلبنا حرية البلاد وقطعنا غرس الاستبداد، ولا ننثنى عن عزمنا حتى تحيا البلاد وأهلها، وما قصدنا بشعبنا إفسادً ولا تدميراً، ولكن لما رأينا أننا بتنا في إذلال واستبعاد ولا يتمتع في بلادنا إلا الغرباء حركتنا الغيرة الوطنية والحمية العربية إلى حفظ البلاد وتحريرها والمطالبة بحقوق الأمة، وقد ساعدتنا العناية الإلهية ومنحنا مولانا وأميرنا الخديو ما طلبناه من سقوط وزارة المستبد علينا السائر بنا في غير طريق الوطنية، وتمتعنا بمجلس الشورى لتنظر الأمة في شؤونها وتعرف حقوقها كباقي الأمم المتمدنة في العالم، ومن قرأ التواريخ يعلم أن الدول الأوربية ما تحصلت على الحرية إلا بالتهور وإراقة الدماء وهتك الأعراض وتدمير البلاد، ونحن اكتسبناها في ساعة واحدة من غير أن نريق قطرة دم أو نخيف قلباً أو نضيع حقاً أو نخدش شرفاً، وما أوصلنا إلى هذه الدرجة القصوى إلا الاتحاد والتضافر على حفظ شرف البلاد). وهتف عرابي بحياة الخديو واهب الحرية، وحياة الجيش، وحياة الحرية، ثم امتدح الوازرة ورئيسها ووصف البارودي بقوله:(رئيسنا الوطني الحر القائم بخدمة الوطن وأهله). وحذر إخوانه في الجهادية من الوشاة والحساد، وحثهم على الاتحاد قائلا:(البلاد محتاجة إلينا وأمامنا عقبات يجب أن نقطعها بالحزم والثبات وإلا ضاعت مبادئنا ووقعنا في شرك الاستبداد بعد التخلص منه). ولنا في هذه الفقرة الأخيرة في خطبته عودة كما أن لنا عودة إلى فقرة غيرها نكتفي الآن بالإشارة إليها وهي قوله:(وقد فتحنا باب الحرية في الشرق ليقتدي بنا من يطلبها من إخواننا الشرقيين على شرط أن يلزم الهدوء والسكينة ويجانب حدوث ما يكدر صفو الراحة).
واستقبل عرابي بحفاوة كبيرة في المحطات التي وقف بها القطار كما حدث في الزقازيق حيث كان على رأس مستقبليه فيها أمين بك الشمسي ووقف عرابي يخطب الناس هناك فكان مما قاله (أما القوة فنحن رجالها، ولا ننثني عن عزمنا في الجسم نفس، وأما الفكر فهو