من أهميتها. فلقد أصبحت دراسة ميول كل تلميذ على حدة وتوجيهه وتشجيع مختلف الملكات فيه بمجرد ظهورها والعمل الدائم على إنمائها - أموراً لا يمكن للمدرسة الحديثة أن تحيا بغيرها! والمدرسة المصرية الحالية مع الأسف العميق لا تعني بشيء منها! ولا يمكن أن تعنى بشيء منها ما دام ٥٦ في المائة من وقتها ضائعاً في الدراسة النظرية استعداداً للامتحانات!
هذا ولا يذهبن الظن ببعضنا إلى أن إلغاء اللغة الأجنبية من المدرسة الابتدائية يضعف حالة هذه اللغة في المدارس الثانوية أو يقلل من أهميتها، فالأدلة المحسوسة كثيرة على أن هذا العمل يرفع من قيمة هذه اللغة ويقوي مركزها في التعليم الثانوي والمتوسط التجاري بصفة خاصة ويجعل الاهتمام بها أكبر وأعظم لأن التلميذ الذي انتهى من التعليم الابتدائي حيث تكون تكويناً ملائماً يأتي إلى المرحلة التالية مليئاً بالحيوية والنشاط متجها اتجاهاً جديداً تدفعه جدته إلى الحماس في الأخذ به. ثم أن القوة في دراسة لغة من اللغات لا تتوقف فقط على طول المدة التي يقضيها الطالب في دراستها لأن هذه المدة عامل ثانوي بجانب الطريقة نفسها التي تتبع في تدريسها وبجانب حماس المعلم وقدرته. وهي أمور إذا أحسنت واستكملت أسبابها دفعت بالطالب دفعاً إلى الاطلاع والقراءة وهي الغاية القصوى التي يجب أن يسعى إليها المعلم والمدرسة معاً. ولا نستدل على ذلك بأكثر ما نراه رأى العين في مدارسنا اليوم إذ نرى مستوى طلاب البكالوريا في اللغة الفرنسية لا يقل كثيراً عن مستواهم في اللغة الإنجليزية بل قد يزيد أحياناً مع انهم أنفقوا طوال أربع سنوات بالمدارس الابتدائية في دراسة اللغة الإنجليزية من غير أن يدرسوا كلمة واحدة في اللغة الفرنسية، ثم أخذوا يدرسون اللغة الإنجليزية طوال مدة التعليم الثانوي بمعدل تسعة أو ثمانية دروس في الأسبوع في نفس الوقت الذي لا يدرسون اللغة الفرنسية إلا بمعدل أربعة دروس في الأسبوع فقط في مرحلة التعليم الثانوي وحدها، فماذا يقول أنصار إعطاء مدد طويل لتعليم اللغات بعد هذا الدليل المادي القوي؟ فإذا رجعنا ببصرنا بعد ذلك إلى الماضي وجدنا عجباً، وجدنا أن معظم وزرائنا ومستشارينا وقضاتنا الذين تعلموا على النظم القديم ولم يدرسوا اللغة الفرنسية إلا في السنتين الأخيرتين من التعليم الثانوي استطاعوا بعدها أن يدرسوا مواد العلوم المختلفة في مدرسة الحقوق باللغة الفرنسية وأن ينبغ الكثيرون منهم