عرابي أو أكثره إلى الخديو دون أن يكون في ذلك أقل تجن على هذا ولا أدنى تحيز لذاك
سار شريف على نهج حكيم فأرضى الأجانب بقبوله المراقبة الثنائية، وأرضى الوطنيين بتحقيق الآمال الوطنية، ولكنه ما لبث أن أحس أن هؤلاء الأجانب لا يدعون وسيلة لضم الخديو إليهم حتى لقد ترك شريف بعد مدة وجيزة يعمل وحده، وكأنما وضع الخديو نفسه بنفسه في عزلة
ولو أنها كانت عزلة عن الوطنيين دون اتصال بالأجانب وعلى الأخص بالإنجليز لهان أمرها؛ ولكن توفيقاً قد سبب بعزلته أول الأمر ريبة ومخاوف في قلوب العسكريين؛ ثم تطورت الحال إلى كراهة وأدت الكراهة إلى المقاومة من جديد. ولقد كان أمام توفيق في الواقع هيئتان: الوطنيون برياسة شريف، والعسكريون بزعامة عرابي. وكان يستطيع بشيء من الكياسة والمهارة أن يرضي الوطنيين حتى لا يدع مجالاً لتدخل العسكريين من جديد، ولقد رأى بنفسه ما كان من أمر هذا التدخل بالأمس القريب
افتتح مجلس شورى النواب في يوم ٢٦ ديسمبر سنة ١٨٨١ وجاء في خطاب توفيق في حفلة الافتتاح ما يأتي:(أبدي لحضرات النواب مسروريتي من اجتماعهم لأجل أن ينوبوا عن الأهالي في الأمور العائدة عليهم بالنفع، وفي علم الجميع أني من وقت ما استلمت زمام الحكومة عزمت بنية خالصة على فتح مجلس النواب ولكن تأخر للان بسبب المشكلات التي كانت محيطة بالحكومة، فأما الآن فنحمد الله تعالى على ما يسر لنا من دفع المشكلات المالية بمساعدة الدول المتحابة ومن تخفيف أحمال الأهالي على قدر الإمكان، فلم يبق مانع من المبادرة إلى ما أنا متشوق لحصوله وهو مجلس النواب الذي أنا فاتحه في هذا اليوم باجتماعكم)
هذا هو كلام الخديو فهل كانت هذه نياته؟ تلك هي المسألة ونرى أن خير ما نجيب به هو أن نعرض الحوادث التي تلت ذلك ومنها يستبين إلى أي حد كان الخديو ينوي ما يقول
دأب الذين كانوا يعملون من وراء ستار على تخويف الخديو من ناحيتين: ناحية الحركة الوطنية وناحية تركيا موحين إليه في الأولى أن حكم الدستور معناه ضياع سلطة الخديو، وفي الثانية أن تركيا لا ترتاح إلى توفيق وأنها تبيت له ما لا يحب. وغرض هؤلاء الذين كانوا يعملون في الظلام واضح وهو أن يركن الخديو إليهم ليخلص من هذا كله