للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سبب ذلك أجابتا أن سفنهما تغادر الإسكندرية في اليوم الذي يسافر فيه الوفد العثماني عائداً إلى الآستانة؛ وقد تم ذلك فعلاً حينما غادر الوفد البلاد، ومعنى ذلك أن الحكومتين لن تسمحا للسلطان صاحب الحق الشرعي في البلاد حتى بمجرد النظر في أحوالها، ومعنى ذلك أيضاً أن يزداد تأثيرهما في قلب الخديو فيلجأ إليهما إذا لزم الحال حتى ضد السلطان نفسه!

ورب قائل يقول إن في مسلك تركيا ودسائس عبد الحليم ما يدع الخديو العذر في الاعتماد على الدولتين، ولكن هذا زعم باطل؛ فرجال مصر جميعاً لم يكونوا في تلك الأيام يفكرون مطلقاً في الخروج عن سيادة تركيا، كما أنهم كانوا لا يسمحون للسلطان أن يزيد حقوقه في مصر عن القدر المقرر في الفرمانات. ولنفرض جدلاً أن للخديو الحق في أن يخاف جانب السلطان أفلا يكون بالتجائه إلى الدولتين كالمستجير من الرمضاء بالنار، كما يقول المثل العربي؟ وهل كانت الدولتان تحميانه إلا لغرض؟ وهل كان هذا الغرض إلا رغبة كل منهما أن تحل في مصر محل السلطان؟

إن الحوادث كلها كانت تشير للخديو إلى الطريق الوحيدة التي كان عليه أن يسلكها، ولكنه كما ذكرنا اختار الانحياز إلى جانب إنجلترا منذ حادث عابدين مع تظاهره دائماً أنه يعطف على أماني البلاد، وفي ذلك الخطر كل الخطر وفيه من أجل ذلك مسؤولية الخديو عن اتجاه الحوادث بعد ذلك إلى تلك السبيل التي أفضت بالبلاد إلى كارثة الاحتلال

ونعود إلى عرابي فنقول: إن الحكومة قد استدعته من مقره في رأس الوادي وأسندت إليه منصب وكيل وزارة الحربية؛ وهو يعزو هذا العمل إلى ما بلغ الحكومة على لسان جواسيسها أنه يجول في بلاد مديرية الشرقية فيتصل بالوجوه ومشايخ العرب محرضاً داعياً إلى نشر مبادئه وأغراضه. ويذكر عرابي أنه أنعم عليه وقتئذ برتبة اللواء (باشا) ولكنه رفضها مخافة أن يتهم أنه يعمل لشخصه. ولئن صح هذا وهو ما لا نستبعده، لكان لنا في مغزاه حسنة نضيفها إلى حسنات هذا الرجل؛ حسنة نعتبرها من كبرى الحسنات فإن التهافت على الرتب والألقاب لم يزل حتى اليوم في بلادنا المسكينة داء عياء يتغلغل في نفوس سادتنا وكبرائنا!

ونقول لئن صح ذلك لأن الخبر من جانب عرابي فهو في مرتبة الدعوى! ونقول إنا لا نستبعده مستندين في ذلك إلى شاهد قوي، فهذا الرجل كان بطل الانقلاب يومئذ وعلى يده

<<  <  ج:
ص:  >  >>