فحطت على فم المحبرة ووقفت لحظة تنظر إلى تلك اللجة السوداء المسحورة، ثم فرت وتركتني في دوار
أتراها أدركت عمق هذه اللجة حين وقفت على شاطئها؟ أتراها أدركت بعينها الصغيرة ما ندركه نحن حين نقف على هذه البئر المسحورة؟
أتراها أدركت أن هذا الإناء دن كبير طالما سقط الناس صرعى سكرهم بخمره الأسود؟
لقد سكرنا به عن كل شيء. . . ومضينا في دنيانا نرى الحياة من خلال كلماته كما يرى السكير الدنيا من خلال حبب الكئوس
سُكْرٌ وسُكْرٌ يصرعان ألباب ذوي الألباب، والمدمنون على الخمر يتهمون المدمنين على الحبر بالغفلة والعمى عن اللذة. . . وكذلك المدمنون على السكر بالحبر يبادلونهم نفس النعوت والألقاب، (وكل حزب بما لديهم فرحون)
لابد للأفكار أن تغتسل في هذا الإناء نحلة، قبل أن تخرج إلى الوجود. . . إن ماءه يسجد المعاني ويطلسم أفكار البشر
المخ والمداد. . هذا البياض وهذا السواد يتلاحقان فيلدان أشرق وأبقى ما في الدنيا: عالم الفكر!
نعم إن في لجج بعض المحابر ماء زائفاً وضلالات وتعقيدات وغروراً وتجديفاً وسموماً، ولكن على الأقلام الحساسة أن تتيقظ وأن ترد الصفو وتتجنب الأخلاط كما تيقظت النحلة فلم تذق ما لم تخلق له. . .
طيري أيتها النحلة في رحاب الدنيا غائبة عن عيني وانشدي (ن، والقلم وما يسطرون. . .) وما عليك أن تَفْنَىْ، فقد صرت كلمة خالدة على قلمي. . .
٨ - منطق كلب
كنت جالساً بين الأزهار الطاهرة الجميلة أتطهر وأتأمل، فمر كلب وجاء إلى شجيرة ورد فيها ورفع رجله وبال عليها. . .
خيل إلى أن الشيطان تقمصه، وأراد أن يسخر مني ويريني كيف يحتقر هو وجنوده ما أقدسه وأستغرق فيه. . .
وأقول الحق! إنه زلزلني ونال مني، فوضعت القلم ونهضت إلى الحياة خاضعاً لمنطق