للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رأساً كما تفعل الطبيعة، فنجحوا مثلاً في الحصول اصطناعيِاً على المواد السكرية والنشوية المختلفة وعلى معظم المواد الدهنية وعلى الكثير من المواد العضوية الأخرى كالقلويات التي تستعمل في الطب، والعطور المختلفة. والأهم من هذا أنهم ركبوا كيميائيًّا من مواد معدنية محضة حامض النمليك الذي يدخل فيه الآزوت وهو النواة الكيميائية للمواد الزلالية، ثم ركبوا بعضاً من هذه المواد مثل زلال اللبن (مادة الجبن) ومثل البروتيين الناتجة من هضم المواد الزلالية في الحيوانات والنباتات، ومثل الكبراتين التي تدخل في تركيب أظافر الإنسان والحيوانات الفقرية الأخرى. وهذا النجاح يبشر بقرب الوصول إلى تركيب المواد الزلالية العليا الموصوفة بالحية كما بينا كل هذا في المقالات السابقة. . .

ومن الغريب الذي يدعو إلى الإعجاب أن بعض الكيميائيين مثل دانيال برتولو وجوديشون سلكوا في تركيب السكر والحمض النمليك الآزوتي المتقدم ذكره نفس الطريق الذي تتبعه الطبيعة بأن سلطوا الأشعة فوق البنفسجية المنبعة من بخار الزئبق على خليط من الماء والحامض الكربونيك وبعض تراكيب الآزوت المعدنية البسيطة

فما تصنعه الطبيعة الآن تحت نظرنا وأمام أعيننا من إنشاء المادة الحية رأساً بفعل طاقة الشمس ولكن بالواسطة - أي بواسطة المادة النباتية الخضراء (الكلوروفيل) - بل ما يصنعه الإنسان في معامله إلى حد ما، ألم تستطعه الطبيعة رأساً بلا واسطة في الزمن البعيد حيث كانت ظروف الشمس والأرض أكثر ملاءمة من الآن؟

فقد كانت الشمس في ذلك الماضي البعيد جدّاً الذي لا يقل عن خمسمائة مليون سنة من الكواكب الزرقاء أو البيضاء من الدرجة الأولى، تزيد حرارتها عما هي عليه الآن بمراحل، وكانت - على الأخص - تشتمل على الكثير من الأشعة فوق البنفسجية، وهي كما لا يخفى توجد وتنشط التفاعلات الكيميائية على اختلاف صورها. . .

وكانت الأرض من جهتها مرتفعة الحرارة لقرب عهد انفصالها من الشمس. وفوق هذا فإنها - أي الأرض - كانت في ذلك الحين مسرحاً لكثير من إشعاع الراديوم والأجسام المماثلة له التي كانت توجد كميات وافرة على سطحها. وكانت تنبعث من هذه الأجسام الإشعاعية الكثير من غازات الهيدروجين والهليوم الجديدة، ومن المقرر في علم الكيمياء أن الغازات المستجدة تكون أكثر قابلية للامتزاج بغيرها من المواد الأخرى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>