فنتج من كل هذه العوامل مجتمعة أن نشطت التفاعلات الكيميائية على الأرض وفي الماء وامتزجت المواد المختلفة بعضها بالبعض، وعلى الأخص الكربون والآزوت والهيدروجين والأكسجين وبعض المواد المعدنية الأخرى على صور شتى عديدة فتولدت على هذا النحو ما يسمونه بالمواد العضوية البسيطة، أي بعض تراكيب الكربون، ثم المواد العضوية الأكثر تركيباً ومنها الأحماض الآزوتية مثل حامض النمليك وغيره. وهذه امتزج بعضها ببعض وبالأحماض الفسفورية فأدت إلى المواد الزلالية البسيطة ثم العليا الموصوفة بالحية. وكان هذا أول مظهر للحياة وأبسط صورة من صورها
وتطورت هذه المواد الزلالية بفعل العوامل الطبيعية وتحول بعضها إلى الحيوانات الأولية ذات الخلية الواحدة، وبعضها إلى النباتات الأولية، وثالثة إلى النباتات الفطرية وهي الحلقة المتوسطة بين الحيوانات والنباتات كما بينا ذلك في مقالنا الأول
وتسلسلت من هذه الأحياء الأولية البسيطة الحيوانات والنباتات السفلى ثم العليا في مختلف العصور الجيولوجية التي دام كل منها عشرات الملايين من السنين مما سنشرحه في مقالات قادمة ونبين أسبابه ونأتي على الأدلة والمشاهدات والاختبارات المؤيدة له
غير أن حرارة الشمس أخذت تنقص بالتدريج في مئات الملايين من السنين، كما نقصت أشعتها فوق البنفسجية فأصبحت عاجزة عن تركيب المواد الحية من المواد الجامدة أو المعدنية من تلقاء نفسها كما كانت تفعل في بادئ الأمر، فاستعانت على ذلك بالكلوروفيل كالرجل المتقدم في السن يستعين على رؤية الأشياء بالنظارات. ذلك لأن النباتات كانت قد ظهرت على الأرض على الوجه المتقدم بيانه منذ ذلك الحين
فضعف الشمس الآن هو السبب في استحالة التولد الذاتي في الظروف الطبيعية الحالية، وهذا ما يفسر مدلول أبحاث باستور وتجاربه المشار إليها فيما تقدم. فإن هذه الأبحاث والتجارب لا تدل إلا على استحالة التولد الذاتي في عصرنا الحاضر ولكنها لا تنفي إمكان ذلك في بدء ظروف الطبيعة على الأرض
كان الناس في بدء نشوء النوع الإنساني قبل اكتشاف الكبريت والفسفور، وقبل أن يستنبطوا أحداث الشرر من احتكاك بعض الأحجار الخاصة بالبعض - يعتقدون أن النار سر من وراء الطبيعة لا يستطيع البشر أن يخلقوها، وأن كل نار لا بد أن تولد من نار