للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعلة في استمرار وجودها. وفات جوبينو أن وجود لغة واحدة ليس بدليل قاطع على وجود جنس واحد، وأن اتحاد اللغات في أمتين أو أمم، ليس بحجة على اتحاد الأصلين أو الأصول فقديماً ما أعارت الأمم اللغات واستعارت، فوجود جنس آري كالذي تحسبه النازية اليوم، لم يقم عليه أي دليل.

والعنصر الجرماني نفسه مجهول الأصل، وفوق هذا فلا يستطيع أحد أن يدعي له أرومة خالصة. إنه عنصر شديد قوي، ولا شك أن اختلاط دمه بدماء أوروبا الوسطى والجنوبية كان له أثر كبير فيما حدث هناك من التقدم والارتقاء، ولكن ما يقال في العنصر الجرماني يقال في سائر العناصر، فكثيراً ما أدى اختلاط عنصرين إلى عنصر جديد أشد وأكثر حياة من أصليه.

على أن العلم إلى اليوم لا يستطيع بثقة أن ينسب إلى أية مجموعة بشرية، خصالاً خاصة عتيقة ثابتة فيها، لأنه إلى اليوم لا يدري كيف يقيس هذه الخصال برغم ما أسموه (مقاييس الذكاء)، فتلك مقاييس ثبت مراراً وتكراراً أنها لا تقيس الذكاء وحده وإنما تقيس معه آثاراً من البيئة والثقافة لا يمكن عزلها عنه. ومع هذا لا نفتأ نسمع الخرافة الجرمانية تلوكها الألسن، وتردد على الأسماع، فمجد الإغريق كان بسبب غزو الجرمان، وروما دام عزها وبقي سلطانها ببقاء دمها الجرماني خالصاً صريحاً، فلما اختلط حاق بها ما حاق، وإسبانيا لم تستيقظ إلى ما استيقظت إليه إلا بسب ما دخل عروقها من الدم التيوتوني، (والنهضة) الأوروبية نفسها لم تكن إلا ظاهرة جرمانية صرفة.

يقولون أن الرومان والإغريق كانوا وهم في أوج عزهم جرمانيين صرحاء. ليس من السهل الحكم على ما كانت تتألف منه أمم قديمة كالإغريق والرومان، ولكن من الثابت أنه في العصور التي سبقت، كانت حروب وكانت فتوح، وكانت غلبة وكان انغلاب، وكانت هجرة وكان تشتت، فلم يرتبط قوم بأرض، ولم ينعزل جنس بسبب ذلك عن جنس، فلم يكن في عصر الإغريق ولا في عصر الرومان دم لم يختلط، ولا عنصر لم يتلقح، فكل ما يقال عن خلاص السابينن والاترسكانيين وحتى عن نقاء الرومان والأغريق، لا يمكن تدعيمه على ما هو معروف اليوم في علم الأجناس. قالوا وشادوا بان الإسبرطيين جرمانيون خلصاء ومع ذلك أدخلهم (دكسن) في عداد الألبيين وقالوا وشادوا بأن الاترسكانيين

<<  <  ج:
ص:  >  >>