الذي (تلطعه) على وجنتيها لتقول به إنها حمراء الخدين ليس فيه من حمرة خديها شيء وإنما الأحمر هو. . . وهذا الطلاء القرمزي الذي تسفكه على شفتيها لتقول به إنها قرمزية الشفتين ليس فيه من شفتيها شيء وإنما القرمزي هو. . . وهذا المشد الذي تربط به خصرها لتقول به إنها نحيلة الخصر إذا انفك ارتاح خصرها فإذا هي كما خلقها الله لا كما تقول بمشدها. وهذا (الكعب) العالي الذي تركبه وتمشي به كما يمشي (البهلوان) على الحبل لتقول إنها سمهرية القد تخلعه في وحدتها فإذا الأرض تبلع منها مقدار ما كانت (تتطاول) بكعبها العالي. . .
والرجل لا يفعل شيئاً من هذا، ولكن المرأة تفعله - ولا نقل إن المرأة به كاذبة - وإنما نقول إنها متأنقة
والتأنق تمويه ولو ستر وراءه الصدق
فهل لا تصلح المرأة للفن إذن وهي غارقة في تحفظها وتأنقها هذين؟ الواقع أن كلا من التحفظ والتأنق يخنق الفن
أما التحفظ فإنه يخنق الفن لأن الفن دائماً يبدأ في نفس الفنان، فليس هناك مغن تغني بعواطف الناس قبل أن يتغنى بعواطفه هو، ليس هناك أديب كتب عن الناس قبل أن يكتب عن نفسه، فإذا لم يكن قد كتب عن نفسه فلا بد أن يكون قد فكر فيها قبل أن يفكر في غيرها من النفوس لأنها أقرب النفوس إليه كما أنه أن لابد ينساب منه حين يكتب عن الآخرين ما يدل عليه وما يستطيع القارئ أن يحكم به على ما يحب وما يكره. ولا ريب أن الوصول إلى ما يحبه المرء وما يكرهه لا تتلوه إلا خطوة قصيرة يقف بعدها المستطلع أمام نفس هذا المرء وجهاً لوجه. وليس هناك رسام ينشر في الناس صورة إلا وهو يضمن هذه الصور جميعاً ما ينجذب إليه من الألوان والأشكال؛ فهو يدل بذلك على ذوقه ونواحي الراحة التي تطمئن إليها روحه ما دام يرسم مختاراً غير مجبر
وهكذا الفنون جميعاً تعلن بصراحة ووضوح عن نفوس أصحابها. زد على ذلك أن الفنون الفذة العبقرية تحتاج إلى جهاد يمارسه - في أغلب الأحيان - أولئك الذين تتملكهم رسالاتهم الفنية فيشعرون أن الإنسانية قد استدارت حولهم فجعلتهم نواة لحلقة جديدة في سلسة الرقي الحسي والفكري الذي ترقاه. وهذا الجهاد وما يصاحبه من ألوان الكفاح