مؤثرات معقدة متعددة يخضع لها المتأنقون خضوعاً لا يرضاه الفنان ولا يستطيع أن يأخذ به لأنه يحب دائماً ألا يفعل إلا ما يقتنع به هو نفسه وهو يستقي سر إقناعه من نظرته للأشياء ومن تجربته الخاصة ومن مقدار الراحة واللذة اللتين يوفق إليهما. . . والمثل الذي يردده المتأنقون هو قولهم:(كل ما يعجبك وألبس ما يعجب الناس) بينما الفنان - ما دام قادراً - لا يأكل إلا ما يعجبه، ولا يلبس إلا ما يعجبه أيضاً جرياً على نهج الحرية والصدق الذي يسلكه في حياته
فإذا فرضنا أن المرأة استقامت إلى الفن فإنها في أغلب الأحيان لا تفعم نفسها وفاء لهذه الاستقامة، وإنما هي تبعثر من إخلاصها في حقل التأنق مثلما تبعثر في حقل الفن، فهي إذن موزعة الجهد مشتتة الروح، وفنها إذن لا يعدو أن يكون صورة أنيقة لزي من أزياء الفنون الرائجة التي يتحدث الناس بجمالها أو التي أنفقت كثرة من الناس على استحسانها، وهذا هو السبب في أنه لم يكد يحدث أن خطت امرأة خطاً جديداً في لوحة الفن لا لشيء إلا لأن المرأة متأنقة، والأناقة لها قاعدة تبيح للمتأنق أن يبتلع ما يعجبه، ولكنها لا تبيح له أن يظهر أو أن يتظاهر إلا بما يعجب الناس
وقد يرد عليّ نصير من أنصار المرأة فيقول إن من النساء الفنانات من لهن أسلوب فني خاص بهن كممثلات السينما المعدودات في الصف الأول بين الممثلات - والسينما اليوم هي المجال الفني الذي تزاحم فيه المرأة الرجل - وقد يضرب لي نصير المرأة هذا المثل بجريتا جاربو التي يعتبرونها ممثلة السينما الأولى في العالم فإن لها من غير جدال أسلوباً خاصاً بها في تمثيلها، كما أن لكل واحدة من الممثلات المبرزات أسلوباً خاصاً وإلا ما احتسبت بين الممثلات المبرزات
قد يقال هذا، ولكن الرد عليه قريب. وهو لا يكلفنا أكثر من أن ننفي عن جريتا جاربو تمكنها من الإبداع الفني الذي يسر لها أسلوبها الخاص بها في التمثيل، فنحن إذا راجعنا تاريخها لفتنا فيه ذكر ذلك المخرج السويدي الذي لطفت عنده جريتا فأحبها واستدرجها إليه بسطوته الفنية، ثم فجئ العالم بها ولها هذا الأسلوب الناعس الجديد في التمثيل
قد تكون جريتا ناعسة في نفسها ولكنها لم تجرؤ على الظهور في زيها النفسي الصادق إلا برعاية رجل وبمعاونته وتشجيعه، ولا ريب أن هذا الظهور قد خدش في نفس جريتا جابو