كثيراً من الطرافة التي تعجب، والفكاهة التي تطرب. فهو لم يعشق فتاة رآها في الشارع أو الطريق، ولا لقيها في الحقل أو عند النبع، وإنما عشق فتاة رآها في حلمه. فلقد مسّ الكرى أجفانه ذات ليلة مساً رقيقاً أنساه نفسه ودنياه:(هأنذا في قصر (مورتو فونتين) أرتع بين رياضه، والقمر الساجي يرسل أشعته فتهوى فاترة كليلة. . . تضئ القصر ذا الجبهة الحمراء ثم تختفي بين أزهار الزيزفون. وفجأة تبدو فتيات حسان. . . يرقصن على النغم، ويغنين الأغاريد؛ وكنت وحيداً فحدقت فيهن ورأيت فتاة شقرا ناعمة الشباب غضة الجمال قد اكتنفنها وأخذن يتمايلن معها. سمعتهن ينادينها: تعالي يا أدريان! فملكت عليّ فؤادي؛ وأقبلن نحوي فرقصن. هاهي ذي بين ذراعيّ. . . أرقص معها. لقد سمعت من يهمس في أذني أن قبلها ولا تخف فهي لك. فضممتها إليّ وقبلتها، ثم جلسنا حولها لتغني لنا. فغنت بصوتها العذب الحلو أغرودة من أغاريد الأقدمين تفيض بالحزن، وتفيض بالسحر، فيها قصة تلك الأميرة التي أودعوها البرج الشاهق. . . لأنها أحبت فتى غرانقاً
(وكانت الفتاة الشقراء تغني فتنحني الأشجار، وتأتي أشعة القمر ترقص حواليها فتحفها بنور يبهر الأبصار ويعشيها. وغفلنا عن الليل، وحسبنا أننا في جنة عدن، فقمت إلى غصن من الغار لأضعه على رأسها، ولكنها قامت تتثنى وتلهو. . . ثم اختفت بين الخمائل عن أبصارنا. . . وتلاشى صوتها. . . ونأى طيفها، ولكن صورتها ما تزال في نفسي لا تغادرها بعد أن تغلبت على كل صورة)
تلك قصة حبه، ولقد كان وفياً لهذا الطيف الذي قبله ورآه واعتقد أنه راجع إليه لا محالة. . . فسماه (زهرة الليل التي تفتحت تحت أشعة القمر الشاحب) وسماه (الطيف الوردي الأشقر الذي اختفى بين الأعشاب، والتف بالسحاب)
وفكر شاعرنا طويلاً في زهرة الليل، فانكب على السحر وما يمتّ إليه بسبب يدرسه ويقرأ أصوله كأنما أراد أن يسخره لإحضار أدريان. وكان يسمع عن الشرق أقاصيص حلوة طربت لها نفسه ورضى عنها هواه، فتمنى لو زار تلك البلاد التي هبطت إليها الأحلام، ورتعت بين جنباتها الأوهام، فيدرك ما فيها من أمور يحيط بها الغموض والخفاء. وخيل إليه أن أدريان هي بلقيس صاحبة العرش العظيم، أتت إلى القصر الأحمر لتهمس في أذنه أسرار الدنيا وتدله على طريق الخلود ويذكر لنا من كتب عنه أنه كان يعتقد في تقمص