وأنت ملك كسائر الملوك العاديين أن تقف بجانب أكبر ملك في الدنيا تخضع لأوامره ملايين من القمل والذباب والضفادع والبراغيث وغيرها من الهوام والحشرات؟ فيرد عليه جلالة الملك بنكتة رقيقة تمثل سمو الهزل عند الملوك، ويسارع سلطان الطلبة فيعرب عن قبوله لجلالته ضيفاً في مملكته ويرحب به باسم أمته أكبر الترحيب. ثم يقوم المحتسب الماجن فيلقي أمام السلطانين ورعاياهما خطبتين ضاحكتين عابثتين في الإشادة (بالزردة) والتنويه بالأطعمة الفاخرة
وعند الفراغ من هذه المظاهرة الرائعة يستأذن جلالة الملك من سلطان الطلبة في الرجوع فيأذن له بعد أداء الاحترام الواجب ويعود جلالته في موكبه الفخم إلى قصره العامر
وفي الجمعة التالية يقوم سلطان الطلبة في موكبه بأداء صلاة الجمعة في جامع أبي الجنود، ثم يرجع لمقر دولته التي لا يبقى على انهيارها إلا يوم واحد. ففي مساء اليوم التالي يكون الطلبة على أهبة الرجوع لمدارسهم حيث تستأنف الدراسة بالكلية صباح يوم الأحد
ويدهشك بل يغريك بالضحك الذي لا تملك معه نفسك أن تجد الطلاب صباح يوم السبت يبحثون عن سلطانهم فلا يجدونه. لقد فرَ ليلة هذا اليوم مختفياً بين غضون ظلامها القاتم خوف أن يصبح على أبواب ثورة عامة من رعيته التي يلذ لها أن تنقض عليه يوم انتهاء سلطنته حتى لا يدخل إلى نفسه شيطانها فيوهمها أنه حقاً (سلطان الطلبة) وأن واجباً عليهم أن يخضعوا له ويقروا بسلطانه عليهم
هذه هي الرواية التمثيلية التي ألفها السلطان (مولاي الرشيد) لطلبة العلم وبعثهم على تمثيلها بأنفسهم كل سنة على مسرح الحياة لكي يعطيهم درساً عملياً في التدريب والتمرين على أن يكونوا رجالاً أكفاء مقتدرين لهم ما للناس في الحياة من حق
وفي ظني أنه لو كان معروفاً لدى حكومتنا الماضية نظام الكشافة الحديث، لما جعلوا غير الفرق الكشفية مع موسيقاها العذبة جنداً وحراساً لموكب (سلطان الطلبة) حرصاً على أن يكون المظهر طالبياً بحتاً، يمثل أمة في الطلبة بسلطانها وجندها وموسيقاها، وفي هذا وحده من الروعة والمظهر الجذاب ما يشوق الأبناء إلى التعلم ويبعث الآباء على تشجيعهم عليه بالبذل والسخاء. أما الآن، فالمستقبل كفيل بأن يكون هذا وأكثر من هذا. وعسى أن ينتبه الطلبة من الآن إلى هذه النقطة الدقيقة فيؤلفوا من بينهم فرقاً كشفية تقوم بهذه المهمة، فوق