للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الجامعة المصرية تُدرَس الآداب الإنجليزية والفرنسية والفارسية والعبرانية واللاتينية واليونانية، ولتلك الآداب أساتذة يهمهم قبل كل شيء أن يوحوا إلى الشبان أنها آداب جديرة بالخلود. ولو رأت الجامعة المصرية أن تدرس اللغة الزنجية لوجدت أستاذاً يقول بأن لغة الزنوج أحسن اللغات فكيف تفردت اللغة العربية بالضيم والهوان في أنفس أساتذة الجامعة المصرية؟

وبأي حق يرضى أحد الأساتذة أن يقضي العمر في تدريس الأدب العربي وهو يراه (ينحدر مع التاريخ شيئاً فشيئاً ليكون أدب معدة)؟

ومن هذه النقطة نمسك بخناق الأستاذ احمد أمين

هذا الرجل ينظر إلى الأدب وإلى الوجود نظرة عاميّة، فهو يقسم الأدب إلى قسمين: أدب معدة وأدب روح

والسخرية من المعدة لا تقع إلا من رجل يفكر كما يفكر الأطفال. فالمعدة التي يحتقرها هذا الرجل العاميّ هي سر الوجود. وعن قوة المعدة تنشأ قوة الروح. والأدباء الكبار كانوا أصحاب معدات كبار. وسر العظمة عند فيكتور هوجو يرجع إلى معدته العظيمة، وما ضعف الغزالي في أحكامه الأخلاقية إلا لأنه ألف كتاب الأحياء وهو ممعود

والظاهر أن معدة أحمد أمين معدة ضعيفة، لأنه يواجه الوجود بعزائم الضعفاء؛ وإلا فكيف اتفق له أن يؤلف في الأخلاق بدون أن يستطيع الثورة على موروث الأخلاق؟

إن المباعدة بين المعدة والروح عقيدةٌ هندية الأصل، وتلك المباعدة هي التي قضت بأن يعيش الهنود فقراء. ولو احترم الهندي كما يحترم الإنجليزي معدته لما استطاع الإنجليز أن يكونوا سادة الهنود؟

أنا أعرف أن أحمد أمين يتخلق بأخلاق الأسماك. وآية ذلك أنه لم يُغضب الجمهور مرة واحدة. وهل اتفق للسمك أن يقاوم التيار مرة واحدة؟

وهيام أحمد أمين بتحقير المعدة نشأ من رغبته في مجاراة الرأي العام في الأخلاق السلبية، الرأي السخيف الذي يحمل الدراويش والرهبان أعظم أخلاقاً من تشمبرلن وهتلر وموسيليني، والذي يجل زهديات أبي العتاهية أشرف من غراميات الشريف الرضي

وهذه العلمية في التفكير هي التي فرضت على أحمد أمين رضى الله عنه أن يرى الغزل

<<  <  ج:
ص:  >  >>