تزودت أشهر المطربات في مصر فسمون بأغانيه إلى مرتقى مجدهن الذي من عليائه تكونت لبعضهن ثروة تغني مئات من طراز الخلعي الذي مات فقيراً معدماً بعد أن مهد لتلاميذه الطريق إلى الشهرة والثراء. وكان من أشد ما لاقاه (كامل) في أخريات أيامه من مرارة وألم أن مغنية كبيرة ممن لحن لهن (كامل) بلغ بها الشح إلى اغتياله في حق له عندها من ثمن قطعة لحنها لها ربحت منها مئات الجنيهات ضنت عليه بعدها بأجره، وكان من حقه عليها أن تكفيه شر ما لاقى من فقر ومسغبة.
فبقدر ما أسرف (كامل) في العطف على الفقراء والمكدودين وبسط لذي الحاجات كفيهن جحد الناس فضله ونسوا أياديه على الفن وتنكروا لأولاده من بعده. وهو لم يكن يجهل هذا المصير الذي آذنه عند تدهور قواه وسقوطه على فراش الموت، لأنه خبر المجتمع ودرس حياة الجماعات وأمعن في فهم الأخلاق التي تسود القوم من تنكر وجمود وأثرة
كان (كامل الخلعي) مخلوقاً غريب الأطوار في حياته وعقليته. لم يضع كيانه في بيئة خاصة ولم يلتزم جماعة معينة في المجتمع. فبينا تراه نديم العظماء في سهراتم الخاصة وسمرهم الطروب، إذا بك تشهد له في نفس اليوم مجلساً متواضعا بين جوقة من (أولاد البلد) في حي (العشماوي) أو غيره من الأحياء الوطنية في القاهرة، يلقنهم أغانيه الشعبية المرحة التي احتكرها جماعة (الصهبجية) وجوقات الطرب في الأفراح الشعبية. وفي نفس الوقت تكون إحدى درره الفنية ساطعة الضوء على مسرح من مسارح التمثيل الغنائي تجتذب بروعتها لب الجماهير. وقد يلزمه فنه الموحي من روح الطبيعة مجالسه إحدى الطبقات من الشعب لتطبيق أغانيهم على لحن صادفه في رواية مسرحية جديدة وقد عهدت إليه (شركة ترقية التمثيل العربي) يوماً بتلحين رواية (طيف الخيال) وفي الرواية مشهد من مشاهد (الحواة) فدفعة إخلاصه لفنه إلى أن يجوب أحياء القاهرة باحثاً عن أحد الحواة ليشركه معه في وضع اللحن الملائم لهذا المشهد. فكان حظه من التوفيق مطابقاً لما سبق له من نجاح دائم في ألحانه المسرحية
وإذ كانت حياة (كامل الخلعي) الموسيقية قد طغت على قيمته العلمية فحجبت عن الجماهير شخصيته كأديب وعالم خصب، فإنه من غير شك كان ينحو في الحياة منحى فلسفياً أفرد له شخصية شاذة ذهب الناس في تكييفها مذاهب شتى. فلم يوفق باحث من كتاب الاجتماع إلى