للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يوم بجورج صاند، وكانت قد نبه ذكرها، واشتهرت بأقاصيصها ومغامراتها، وصرمت حبال (ساندو) عشيقها. . . فأعجبته وأعجبها، ثم دعته بعد أيام إلى دارها وهناك تعاهدا على أن يبقيا صديقين ويعيشا معاً

وبدأ الحب يشب وينمو، فعاش معها في عالم زاخر بالأماني مائج بالرؤى، فظلّلته بعطفها ووصلها، وأذاقته طعم الوجد والهوى، وأسمعته أغاني الحب فسكر وانتشى، وعاش معها في غيبوبة رف النعيم في جنباتها، وضحكت على حفافيها المنى: قصف، جنون، لهو، شباب، لذة، سكر. تلك كانت حياتهما؛ على أنهما لم يمتعا بهذا كله طويلاً وأتت رحلتهما إلى إيطاليا ليذهب كل شيء. . . وليودعا آمالهما الضاحكات، ويعود الشاعر إلى وطنه ليمعن في البكاء

فلقد أرادت جورج أن تذهب إلى (البندقية) مدينة الحب والشعر؛ فلم ترض أمه عن هذه الرحلة خوفاً على أبنها. فأقسمت لها جورج لتعنين به العناية كلها. وسافر العاشقان إلى البندقية فوصلا إليها في يونية من عام ١٨٤٣

وكانا لا يزالان في نشوة الحب وفوران الأحلام. فعاشا فيها أياماً لذة كانت آخر أيام الهوى؛ فقد أصابت جورج حمى مذ مرت على البندقية في جيئتها، فعني بها الشاعر؛ ثم مرض ألفريد بعد شهور، فأحضرت له طبيباً اسمه (باجيلّو) أعجبها. . . فتركت موسيه في غرفته مريضاً وتبعت الطبيب، فتخاصم الشاعر وحبيبته وانكب على الخمر يعاقرها لينسى الفاجعة التي أصابت حبه وقلبه، ثم ترك جورج مع الطبيب وعاد إلى باريس وحيداً

لم ينس موسيه في باريس جورج. فكان يمر على مغاني حبهما، ينظر إليها فيذكر ليالي الوصل، فتشجيه الذكرى ويعود إلى نفسه يذرف الدموع، وينظم (الليالي) ويتسلى بالرسائل التي كانت ترسلها إليه وتنصح له أن يحب غيرها، وأن يتذوق الملذات كلها. (ليرتشف قلبك لذات الحياة جميعها. . . ولكن ليؤد رسالته جيداً لتستطيع أن تردد يوماً إذا نظرت إلى الماضي فتقول: لقد تألمت كثيراً وخدعت أحياناً، ولكني ارتشفت وأحببت. . . لقد عشت أنا بنفسي. . . لم أكن شخصاً خلقته كبريائي وأوجده وهمي. . .)

وانكب شاعرنا يكتب ويؤلف، ثم عمد إلى اللذات يرتشفها وإلى الخمور يعاقرها، وهو يتألم ويبكي ويقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>