في الليالي السابقة، وأكثر بيوت المسلمين تختزن أضاحيها قبل ليلة العيد بليال عدة ليلعب الأطفال معها قبل أن يأكلوا منها. . . فلماذا يتزايد ثغاء الأضاحي ليلة العيد، ولماذا تلمس فيه الأذن الحساسة معاني الاستغاثة والشكوى والفزع واليأس؟
. . . وجدنا نحن سنداً لملحوظتنا هذه في ملحوظة أخرى فرضناها هي أيضاً عساها ترد سخريته واستهزاءه فقلنا:
- ويحدث أن يموء القط وأن يعوي الكلب في بيت المحتضر قبيل الوفاة بزمن قليل. فلماذا يموء القط وقتئذ، ولماذا تلمس الأذن الحساسة معاني الموت والإنذار، في مواء القط وفي عواء الكلب؟
. . . فلما رأى أستاذنا أننا مصرون على المضي في سبيلنا عدل عن التهكم بالضحك إلى التهكم بالكلام فقال:
- كأني بكم كأولئك المخرفين الذين يلصقون ببعض الحيوان الشؤم، فيتطيرون منه جرياً وراء الذي روجه القدماء الجهلاء عن هذا الحيوان من حديث الشؤم والسوء.
. . . ولم نر نحن في هذا عيباً، فنحن لا نشك في أن حضارتنا زادت على حضارة القدماء، ولكننا نرى في هذه الحضارة تنائياً عن الطبيعة، فالمتحضرون لا يمارسون الاحتكاك بالطبيعة والتفاعل معها مثلما يفعل الهمج والبدو، وهذه المسألة التي نحن بصددها من مسائل الطبيعة المحضة لا من مسائل الحضارة، فلا يبعد أن يكون الأقدمون الأقربون من الطبيعة قد اهتدوا إلى سرها بينما ابتعدنا نحن عن هذا السر بحضارتنا التي أضرمت الغرور في عقولنا فلم نعد نكلف أنفسنا مؤونة البحث في علوم القدماء وقنعنا باتهامهم بالتخريف لأننا رأيناهم تخبطوا أمام بعض الحقائق وعجزوا عن الوصول إليها بينما أتيح لنا نحن أن نكشفها، فساقنا هذا إلى أن نتهم علومهم جميعاً بهذا التخريف مع أننا عاجزون إلى اليوم عن إدراك بعض ما اهتدى إليه الأقدمون
أما نحن الجهلاء فإننا لا نزدري الأقدمين كما أننا لا نزدري المحدثين، وإنما نطلب الحكمة عند هؤلاء كما نطلبها عند هؤلاء، ونكتفي بالتحنيط الفرعوني شاهداً على اهتداء الأقدمين