فقلنا لأستاذنا: فلندع هؤلاء المخرفين وغربانهم تنعق فوق رؤوسهم أو فوق رؤوسنا حيثما طاب لها النعيق، ولنحاول تعليل هذا الذي نراه في أضاحي العيد، وهو شيء لا يمكن أن ينكر، ولنحاول معه تعليل هذا الذي نراه من القط والكلب في بيت المحتضر قبيل وفاته. . . هل في علمكم هذا التعليل؟ وهل هي أيضاً غريزة تنذر الحيوان بالغيب، أو ماذا تقولون؟!
فلم يهن على أستاذنا أن يكف عن القول. . . قال:
- إن الأضاحي تثغو ليلة العيد، ويزيد ثغاؤها مصادفة، وبالمصادفة أيضاً يموء القط، ويعوي الكلب في بيت المحتضر قبيل الوفاة.
. . . وهكذا العلماء. كلما حيرتهم ظاهرة من الظواهر عللوها بالمصادفة، ولم يفكر واحد منهم أن يبحث للمصادفات عن قانون! ولماذا لا يكون للمصادفات قانون، ولكل شيء في هذا الوجود قانون؟ الهم هديك! على أننا مؤمنون بأن الظاهرتين اللتين أوردناهما لسيدنا العالم ليستا مما يخضع لقانون المصادفات، فليس الذي يتكرر في ملابساته تكرارا متواصلاً مستمراً بالذي يدخل في حساب المصادفات مهما أصر سيدنا الأستاذ على ما يقول. . . ومع هذا فقد أمسكنا عن مناقشته فيه فنحن لا نستطيع أن نقنع المكابر بأن البيضة من الدجاجة وأن الدجاجة من البيضة إذا أصر على أن يقول إنها المصادفة وحدها هي التي تخرج إحداهما من الأخرى، فانتقلنا به من هذا إلى ما ذكرناه من تعبير ثغاء الأضاحي الهاتفة مصادفة فقط ليلة العيد بالاستغاثة والفزع والشكوى وغير ذلك من المعاني التي يمكن أن تضطرب في نفس المسوق إلى الموت، سألناه عن هذه المعاني: ألا يستشعرها، فضحك وقال:
- وهل تشعرون أنتم بها؟
فقلنا: نعم والحمد لله، وإنك أيضاً تستطيع يا أستاذنا الجليل أن تستشعرها إذا أردت، وإن كنت تأبى أن تشعر إلا بمقاييس وموازين وأجهزة فإنك تستطيع أن تكتب ما شئت من ثغاء هذه الأضاحي بالنوتة الموسيقية، وتستطيع أن تطلب من عازف فنان أن يعيدها على سمعك بآلة يشبه صوتها صوت الخراف، ولعل الفيلونسيل هو أقرب الآلات الموسيقية إلى