طال سكوته أحس ذلك السفيه أن سكوته إنكار لرأيه فيلج في الجدل كي يرغمه على الخروج من صمته وصاحبه لا يرى فائدة في الخروج من صمته فيكتفي بأن ينطق بمقاطع لا تدل على مخالفة أو موافقة كأن يقول: أومْ. إيمْ. آ. إمْ. وهذا على أي حال خير من التقاتل أو التضارب من أجل الجدل
ونقرأ في الجرائد عن تضارب يؤدي إلى قتل وكان سببه نزاعا على مليم أو على قطعة من البطيخ، ومثل هذا التقاتل يرجع إلى اللجاجة في الجدل أكثر مما يرجع إلى شدة الفقر إلى المليم أو إلى قطعة البطيخ؛ ومثله مثل اللجاجة في الجدل وفي النزاع على رأي سياسي أو في التنافس في البر وعمل الخير، فهذا أيضاً قد يدعو إلى التقاتل كما حدث بين شابين تجادلا في أيهما أحق بالتأذين والدعوة إلى الصلاة فانقلبت لجاجة الجدل إلى تشاتم ثم إلى تضارب فتقاتل. ونقرأ في الجرائد أن اللجاجة في الجدل قد تؤدي إلى الخصومات والتقاتل بين الأسر أو بين البلدان المتجاورة
واللجاجة في الجدل عند بعض الناس مرض يظهر خبث النفوس فترى بعض الناس يحقد على من يجادله ويسعى في أذاه إما سعياً ظاهراً وإما في الخفاء. ويخيل للرائي أن بعض المجادلين يكاد يجن إذا لم ينتصر في الجدل، وقد يكون هذا المجادل طيب القلب سمحاً إذا وافقه الجلساء على رأيه وهواه، وقد يمدح من يوافقه في حديث المجالس على رأيه فيقول: - فلان رجل ذكي لا يجادل بالباطل ويدرك الصواب إدراكا سريعاً. . . وقد يكون هذا الممدوح مخفياً غير ما وافقه عليه وساخراً برأي المادح في سريرته وهازئاً بلجاجته
والطوائف والأمم مثل آحاد الناس فإننا نقرأ في تاريخ الإنسانية عن تقاتل الطوائف من الناس على ألفاظ لا طائل تحتها وعلى أخيلة وأوهام بعيدة عن العقل فنعجب هل كانوا حمقى أم مجانين
وستأتي عصور يتساءل أهلها عن تقاتلنا على الألفاظ والأوهام، ويتعجبون من حماقة هذه الأجيال كما تتعجب هذه الأجيال من حماقة أهل العصور القديمة، ولم يعظنا ما رأيناه من عبث التقاتل على الألفاظ والأوهام والآراء التي تتبدل في كل عصر حتى كأن العقل البشري من قلة اتعاظ النفوس لا أثر له في الحياة وحتى كأن الحياة لا تستقيم إلا بأن يجد الناس لذة في خلق أسباب الألم والعذاب لأنفسهم بخصومات الجدل وعداواته كما يجد بعض