الأمور التي لا ينبغي الاشتغال بها، ولكن لا بأس به إذا كان يراد لغاية حميدة كالزواج، فإذا لم يظفر صاحبه بزواج من يحبها فليقلع عن ذلك الحب، وليشتغل بما يفيده في هذه الحياة لأنه لم يخلق لذلك العبث الضاربة في نفسه، والضار بالمجتمع في أخلاقه وصيانة أعراضه، وإنما خلق للعمل النافع، وإيثار مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد؛ فإذا لم يمكنه أن يتغلب على نفسه في حبها، فليكتم فيها ذاك الحب، وليحفظها عن آثامه، وليصبر على تلك البلوى صبراً جميلاً ولو أدى به ذلك إلى إهلاك النفس، لينال في أخراه من الأجر ما يعوض عليه ذلك الحرمان في الدنيا، ولا يكون جزاؤه الحرمان فيهما معاً.
أما الذي قد يقترن بذلك الحب من شكوى الصبابة والتصريح باسم المحبوبة والخلوة بها وغير ذلك مما يفعله العشاق العذريون ولا يصل بهم إلى مجاوزة حد العفاف، فقد تساهل فيه بعض العلماء كما سبق ولم ير فيه بأساً. ومن ذلك ما يحكي أن ابن سحنون دخل على مالك فقال: يا إمام، اجعلني في حل من أبيات قلتها فيك، فقال وقد ظن أنه هجاه: أنت في حل من ذلك، فأنشده هذه الأبيات بين يديه:
سَلُوا مالك الُمْفتِي عن اللهو والغِنَا ... وُحبِّ الحسان المعجباتِ الفَوَارِكِ
يُنَبِّئْكُم أني مصابٌ وإنما ... أُسَلِّي همومَ النفس عني بذلك
فهل في مُحِبٍ يكتم الحبَّ والهوى ... أثامٌ وهل في ضَمَّةِ الُمتهالِكِ
فضحك وقال: لا إن شاء الله
وإني أشك في صحة هذه القصة، ولعلها كانت مع مالك من غير ابن سحنون، أو كانت مع غير مالك منه، لأن ابن سحنون لم يدرك مالكا، وأبوه سحنون هو الذي أدركه، ولكنه لم يجتمع به، وكان قد نشأ بالقيروان وأخذ عن علمائها، ثم رحل إلى مصر وسمع من ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيرهم، ثم رحل إلى المدينة ولقي علماءها بعد وفاة مالك رضي الله عنه.
والحق أن بعض تلك الأمور كالخلوة مما لا يصح التساهل فيه أيضاً، لأنها تعد من وسائل الزنا، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ولكنها لا تصل في الحرمة إلى حد الزنا، لأنه من الكبائر، أما هي فمن الصغائر. نعم قد تنفع عفة أولئك العشاق في تكفير تلك الصغائر عنهم، لأنه قد ورد أن اجتناب الكبائر مما يكفر الصغائر، كما قال تعالى (إن