(وقد جد عرابي بنوع خاص في إصلاح نظارته التي كانت في منتهى الفوضى والخراب وذلك ليستعد للطوارئ كلها فأظهر همة فائقة في إصلاح حصون السواحل ونظم احتياطي المدفعية ووزعه على تلك الحصون)
والحقيقة التي لا يمارى فيها إلا المغرضون المبطلون أن البلاد كانت تشيع فيها روح الوطنية الصادقة التي تبرهن على صدقها بالأعمال لا بالأقوال. ولو أنه قدر للوزارة السامية أن تسير على هذا النهج لكان أثرها بعيداً في تاريخ مصر بل وفي تاريخ القرن التاسع عشر كله، فلقد كانت المسألة المصرية تعتبر من كبريات المسائل في ذلك القرن
وليس أدل على وجود الروح الوطنية في مصر يومئذ من هاتين العبارتين اللتين نوردهما في هذا المجال، وأولاهما ما كتبه دي فريسنيه في كتابه (المسألة المصرية) حيث يقول في تعليقه على مجلس النواب واختصاصاته: (إن كتاب ذلك العصر اجتهدوا في أن يسخروا من طلب الذين كانوا يطلبون توسيع اختصاص المجلس، حتى ليخيل إلى الذي يقرأ خطابات بعض الخطباء أن الوطنية المصرية كانت في ذلك الوقت تلفيقاً، وأن وادي النيل لم يكن يحتوي إلا على الفلاحين تحني العصا ظهورهم. فكل ما نرد به على هؤلاء الكتاب والخطباء، هو أن آباءنا كانوا أقل من هذا امتهاناً للوطنية المصرية في عهدهم؛ وذلك أن نوابنا في سنة ١٨٤٠ لم يترددوا في أن يتكلموا في خطبهم عن الرعاية الواجبة للوطنية المصرية الناشئة. فقد كانت هناك إذاً وطنية مصرية ناشئة تستحق الرعاية في سنة ١٨٤٠. ولست في هذا مبالغاً، ولا أنا ممن يحبون المبالغة، ولكن لا ريب في أنه كانت توجد في قلوب المصريين من أربعين سنة مضت مطامح كان من الممكن أن تراعي في حدود معتدلة. تلك حقيقة لا تحتمل جدلاً؛ غير أن الذين كانوا يقبضون على خط مصر لم يكونوا يرون في المصريين غير قوم مدينين. فلم يكونوا يعرفون في معاملتهم إلا مصلحة واحدة: هي مصلحة الدائنين الأوربيين التي يجب أن تقدم على ما عداها. وبذلك لم ينتبهوا إلى أن مثابرتهم على اعتبار مصر رهنا، وتدخلهم في شؤونها تدخلاً أدى بحكومتها إلى أن تصير في أيدي الأجانب، كانا قد انتهيا على طول الأيام بأن يجرحا شعور الشعب المصري الذي هو شعب حي مهما يقل القائلون في تعوده الطاعة والخضوع من أجيال).
وأما ثانية العبارتين فهي ما كتبه من باريس سنت هيلير إلى قنصل فرنسا العام في مصر