للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي قطعته فيه هذه الأيام، ذلك هو طريق المادة، فلإنسانية اليوم تحشد مواكبها جميعاً في هذه الطريق، والقوي القادر هو من تقدم إلى الطليعة يتلقط الثمر الذي يبعثره الشيطان أمام هذا القطيع البشري، والضعيف الهزيل هو من تأخر إلى آخر الموكب يتلقط القشور والنوى في الطريق خاطئ كله رذيلة وكله شر. ومهما ادعى الفنان المشغوف بالعلم اللاهث من الجري وراءه أن في استطاعته الاعتصام بنفسه عن نزوات العقل والعلم والحضارة الحديثة، فإنه إما مخادع في هذه الدعوى وإما مخدوع، لأن طابع العقل والعلم والحضارة في هذا العصر هو طابع المادة، فالعقل لا يقر من الحقائق إلا ما ثبت ثبوتاً ماديا، وأول ما ينكره إذن هو الحس والروح. والعلم لم يعد الناس يطلبونه ليجدوا فيه المتعة الروحية أو ليصلوا عن سبيله إلى ما هو أكبر وأعز وأنفس من هذه الحياة. . . وأما الحضارة فها هي ذي: عمارات، وطيارات، وبوارج، وغازات سامة! وكفى هذا القرن العشرين سبة أنه عند ما قال له فرويد: (إن الإنسانية تحركها في حياتها قوة الغريزة الجنسية) اطمأن إلى هذا اطمئناناً ثبت في النفوس وتأصل وتفرع وتسلقت منه أغصان سامة هاصرة التفت حول كل شيء حتى أعناق الفنون تريد أن تعقها لتتفرد البهيمية في نفوس الناس على أساس من العلم وليجئ يوم تنضم فيه مستشفيات المجاذيب وحدها على الذين يؤمنون بالحس والروح، وليجئ بعده يوم تبرأ فيه الإنسانية من الحس والروح ويكون أمرها إلى الغريزة الجنسية أولاً وأخيراً

وياله من يوم. . .! يوم يقول فيه الناس: عاش على هذه الأرض فيما سبق مجنون كان يدعى غاندي وقد كان تلميذاً لمجانين من أساتذته السابقين! فهل يرضي الفن عن هذا وهو المسكة من روح الله في نفوس الفنانين. . .؟

لا! إنهم سيثورون على هذا العقل وعلى هذه الحضارة، وسترى الإنسانية عن قريب يوماً يكون الهداة فيه كتاباً، ورسامين، وموسيقيين، وممثلين، وشعراء، ومغنين وسيصرخ هؤلاء في وجوه الذين يدحرجون الإنسانية إلى الهاوية ليبيعوا لها الحديد والنار للقتال، وليبيعوا لها الخبز والماء لإمساك الرمق من أجل القتال وحده. وستكون أهون صرخاتهم كتلك التي صاح بها شارلي شابلن في وجه (العصر الحديث) بقصته الأخيرة. . .

ولعل العالم لما ينس قصة (كل شيء هادئ في الميدان الغربي) وغيرها من قصص السينما

<<  <  ج:
ص:  >  >>