هذا القول، وإما أن قرر بان ثمت حدا يقف عنده التقسيم، وهو ما يستحي عليك أن تقنع به. . . ثم سائل العلم عن القوة ما هي؟ فلست أحسبه يستطيع جواباً. . وأذن فالعلم كذلك عاجز عن شرح حقائق الكون.
وأي غرابة فيما يصادف الذكاء البشري من إبهام لا يقوى على معرفته؟ انه اعد لكي يفهم ظواهر الأشياء، ولا يعدوها إلى ما خفي وراء أستارها، ولكنا في الوقت نفسه لا نستطيع أن ننكر هذا الشعور الذي تضطرب به نفوسنا من أن وراء هذا الغشاء الظاهر حقيقة كامنة، حسب العقل أن يدرك وجودها، إما إذا هم نحوها بالتحليل والتعليل خر صريعا عاجزا.
وعلى هذا الأساس من وجهة النظر، يصبح التوفيق بين العلم والدين هينا ميسورا، فليقصر العلم دائرة بحثه على ظواهر الأشياء دون أن يورط في البحث عن حقائقها المستورة. له أن يتناول المادة تحليلا وتركيبا دون أن يبحث في ماهية المادة، وله أن يستنبط قوانين الحرارة والضوء والصوت وما إليها من مظاهر القوة دون أن يعلم ماهية القوة، لان هذه وتلك فوق مقدوره، وكل محاولة له في هذا السبيل ضرب من العبث. . . أما الدين فخير له أن يترك هذا العقل المعاند الملحاح، الذي لا يركن لغير الحجة المنطقية، خير له إن يترك هذا العقل يسبح في غروره وان يناشد العقل من الإنسان، لأن من طبعها إلا تلزم بالحجة العقلية. . قل للعلم أن يكف عن إثبات الله أو إنكاره فليس اللاهوت ميدانه الذي يصول فيه ويجول، وقل للدين أن يكف عن مناشدة العقل لأنه لا يستقيم مع نهجه في التفكير، تر الدين والعلم أخوين متصافحين لكل منهما حلبة ومجال.
ترى من هذا أن سبنسر يعتقد اعتقادا لا يلين للشك بان وراء ظواهر الأشياء حقيقة مغلقة لا يستطيع العقل البشري أن يعلم من أمرها شيئا، ولكني أريد أن أتقدم هنا إلى سبنسر في تحفظ أن يعلم عنها شيئا، قول يهدم نفسه بنفسه لأنه يتضمن اعترافا بان العقل قد ألم بها فعلا بعض الإلمام فقد أدرك وجودها على اقل تقدير، ثم سار في بحثها شوطا أيقن بعده أنها فوق مقدوره المستطاع، إذ لو كانت مغلقة دون العقل إغلاقا تاما، لما علم وجودها فضلا عن علمه بقدرته على إدراكها أو عدم قدرته.