أخواتها في صخرة أو جبل. . ولكن تجمع الأجزاء يستتبع نتيجة أخرى هي التنوع والتنافر في العمل الذي نؤديه كل منها، فقد كان السديم الأول مركبا من مادة متجانسة يشبه بعضها بعضا ولكنها سرعان ما تنوعت في غازات وسوائل وأجسام صلبة. . أنظر فهذه قطعة من الأديم قد افترشت سندسا أخضر، وتلك الجبال قد اكتست ثوبا ناصعة البياض، وذلك البحر قد تسربل بلباسه الأزرق. . . أنعم النظر في هذه الخلية الواحدة المتجانسة وما سينشأ عنها من مختلف الأعضاء: هذا للغذاء وذاك للإفراز ثالث للحركة ورابع للإدراك. . . اللغة الواحدة لا تكاد تسري في بطاح الأرض حتى تتنوع في السنة ولهجات لا يفهم بعضها عن بعض. . العلم الواحد يتفرع عنه عشرات من العلوم، المنظر أو الحادثة توحي صورا من الفن والأدب ليس إلى حصرها من سبيل. . . كل هذه أمثلة على التنوع والتنافر اللذين يعقبان التشابه والتجانس.
وهكذا أسطورة الحياة: تجمع وتفريق، تآلف وتنافر، تأتلف الأجزاء وتجتمع في وحدة لا تزال تطرد في النمو حتى يدركها تنافر الأجزاء، ثم يشتد حتى تتلاشى وتنحل. . .
سنة الوجود هذا الانحلال والتكوين، ولكنه بين جذبة المد ودفعة الجزر يلتمس التوازن لكي ينتهي إليه. . . فكل حركة تعاني من المقاومة ما يؤدي بها البطء ثم إلى السكون عاجلا أو آجلا. . . الكواكب السيارة يضيق فلكها شيئا فشيئا. . . حرارة الشمس وضوؤها يقلان كلما تقادم عليها الدهر. الأرض تتلكأ في سرعتها عهدا بعد عهد الدماء في عروقنا سيصيبها البرودة والبطء. . . وهكذا سيسعى الوجود نحو الانحلال، أو سيسعى الانحلال إلى الوجود خطوة خطوة، وهي خاتمة محتمة للتطور: سينحل المجتمع وتتفرق الشعوب، ونذوب، وتذوب المدن. وبمثل هذا تتم دورة التطور والانحلال ولكنها ستبدأ السير ثانية وثالثة إلى ما لا نهاية له من المرات، وكل تكوين جديد لا بد أن ينتهي بالفناء والموت.
وهكذا كان كتاب (المبادئ الأولى) مأساة مروعة تروى لنا قصة العالم صعود وهبوط، تكوين وانحلال، حياة وموت، تطرأ متتابعة على الأحياء والأشياء. . . أفيكون عجيبا أن يقابل هذا المؤلف عند إخراجه وأذاعته في الناس ثورة عنيفة لأنه لم يدع مجالا للعقيدة والأمل؟!
رأيت فيما سبق أن التطور عند سبنسر هو القانون الذي تنشده الفلسفة لكي تضم بين دفتيه