للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبت أقد الزاد بيني وبينه ... على ضوء نار مرة ودخان

تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

على أن مجال التفكير كان حول الطعام، كان في شأن العشاء والشاعر لم يتجه هذه الوجهة إلا لأنه مداح أكثر شعره في مدح الملوك لنيل الجوائز، أفلا يحق لي أن أصف هذا الأدب بأنه أدب معدة وبأن الشعر الجاهلي قد جنى عليه؟

قال الأستاذ أحمد أمين بك: والبحتري مادح آخر يتناول الهبات مكافأة على المديح وقد وصف الذئب وإن لم يلقه متأثراً بامرئ القيس فماذا قال وإلى أية ناحية كان اتجاهه؟ إنه اتجه أيضاً وجهة غير طبيعية في الإعراب عن إحساس من يقابل الذئب فقد قال:

عوى ثم أقعى فارتجزت فنهجته ... فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد

إلى أن قال:

وقمت فجمعت الحصى فاشتويته

فهل عرفت الآن ماذا فعل بالذئب لقد أكله الشاعر البحتري بعد أن شواه على الحصى!

أو ليس هذا أدب معدة؟ أو ليس هذا مما جنى عليه الشعر الجاهلي؟ على أنني أترك التحدث عن وصف الشريف الرضي للقاء الذئب إجلالاً للشريف

لكن في بيتي الفرزدق مع ذلك روعة وجلالاً وقد صنعت فيهما لحناً هادئاً يضرب بالشوكة والسكين الفضيتين على طبق من أطباق الذهب قبيل الطعام

حدثنا الأستاذ عبد العزيز البشري قال وقد سمع هذا الحديث: أما إنه للحن عذب يفتح الشهية لكن على ألاّ يكون الطعام من لحم الذئب الذي شواه البحتري

وحدثنا الدكتور زكي مبارك قال في صخب وضجة: لقد والله ظلموا البحتري وظلموا شعراء الإسلام. أو لم يقرءوا بقية القصيدة؟

قال البحتري:

وقمت فجمعت الحصى فاشتويته ... فلم يبق إلا اللحم والعظم والجلد

فماذا أكل البحتري وقد استبقى اللحم والعظم والجلد؟ إنه لم يأكل إلا الرأس والأكارع، وهل في أكل الرأس والأكارع ما يستحق اتهام البحتري بأنه من أدباء المعدة؟ هذا والله هو الإجحاف والجحود لمآثر الأسلاف! ولماذا يكون الفرزدق محاكياً لامرئ القيس في وصف

<<  <  ج:
ص:  >  >>