للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اسمع، يا صديقي أحمد أمين، فقد تواترت الأخبار بأنك ستدرس الأدب المصري في كلية الآداب، وليس من الكثير عليك أن تسمع النصيحة من رجل مثلي، فأنت تعرف منزلتك في قلبي، وتدرك جيداً أني أتمنى أن تكون من الموفَّقين!

إن الشعر المصري طراز خاص، وله مزايا تفرد بها بين الأشعار المعروفة في اللغة العربية؛ ولو أُلقيت قصيدة مصرية بين ألوف من القصائد، لعرف السامعون أن أزهارها تفتحت فوق شواطئ النيل. . .

وهل يستطيع - أحمد أمين - أن يقول بأن ديوان ابن نباته المصري تمكن إضافته إلى البحتري أو ابن الرومي أو مسلم ابن الوليد؟

إن أحمد أمين يصرح بأن الشعر العربي لا يدل على مواطن أصحابه إلا بعد النظر في تراجم الشعراء!

فهل يصح هذا القول في أشعار ابن نباته والبها زهير؟

وهل يصح ذلك في أشعار تميم بن المعز؟

وهل يصح ذلك في أشعار ابن النحاس وأشعار البوصيري؟

وهل يصح ذلك في أشعار عمارة اليمني، وقد عاش في مصر حيناً من الزمان؟

إن مصر قهرت من زارها من الشعراء على وصف ما فيها من طبائع وأخلاق، ولعلها كانت السبب في شهرة من زارها من الشعراء، فكيف يصح القول بأنها لم تتفرد بين الأمم العربية بخصائص شعرية؟

وهل يمكن القول بأن أغاريد صفي الدين الحلي وهو في مصر تشبه أغاريده وهو في العراق، أو أن أشعار ابن سناء الملك لا تدل دلالة صريحة على الوطن الذي عاش فيه إلا بعد الاطلاع على ترجمته؟

إن البارودي - وهو شاعر اصطنع مذاهب القدماء في الأخيلة والتعابير - تدل على مصريته لأول نظرة! فما بالك بالشعراء المصريين الذين استوحوا فطرتهم ولم يتابعوا شعراء بني أمية أو شعراء بني العباس؟

بقيت مسألة مفصلة بهذا المقال، ونحب أن نوفيها بعض ما تستحق من الشرح قبل أن نتكلم عن أحكامه على الأدب الأندلسي، وهي أحكام سيحاسَب عليها أشد الحساب!

<<  <  ج:
ص:  >  >>