للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عصري إلى العقول التي تأبى أن تصدق شيئاً خارجاً عن نطاق الحس. . . ولكني آسف لأن المقال ليس في متناول يدي الآن!

ويحضرني من معانيه هذا المعنى: إن الكون مليء زاخر بكل معنى من معاني الحياة. فهو كمصدر الإذاعة اللاسلكية، والقلوب لها خاصة الالتقاط كآلات الراديو التي تستقبل. وبعض القلوب قوي يستطيع أن يأتي بمعان صادرة عن أفق بعيد، كما أن بعض آلات الراديو له قوة على التقاط الموجات البعيدة. . .

وهذا مدخل نستطيع أن ندخل منه إلى فهم معنى الوحي. فقلب النبي وعقله أعدا إعداداً خاصاً لسماع ما وراء الطبيعة. . .

وهما في قوتهما يعتبران قمة الرقي الإنساني الذي يستطيع الإنسان أن يصل إليه في الاتصال بخفايا الكون!

وما دام العصريون يسلمون بمذهب النشوء والارتقاء في الأجسام فلم لا يسلمون به في العقول والأرواح؟

وإذا كان الله لا يظهر بعض نوره للروح الإنساني الذي هو نفخة منه فلأي شيء يظهره؟. . .

ولا بد من باب ينفذ منه العقل الإنساني إلى ما وراء الطبيعة. وهذا الباب هو عقل النبي وروحه؛ ولن يقنع الإنسان بانقطاع الصلة بينه وبين ما وراء الطبيعة إلى هذا الحد الذي تراه من الإغلاق في الطبيعة، وعدم سماحها بأي ثغرة تنفذ منها.

ولو كان منكرو النبوة والوحي يتبعون الأسلوب العلمي في بحثهم حول النبوة والوحي كما يتبعونه في بحثهم في المادة، ما أباحوا لأنفسهم أن يرفضوا شيئاً لم يقم دليل علمي على بطلانه، بل ما أباحوا لأنفسهم أن يجادلوا فيه عارفيه من الأنبياء والأصفياء إلا على سبيل الاستفسار لا الإنكار. فكما لا يباح لرجل الشارع الجاهل أن يجادل (ملكن) أو (مركوني) أو (أديسون) وغيرهم من أساطين العلم المادي، كذلك لو أنصفنا ما أبحنا لأنفسنا أن ننكر على الأنبياء ما رأوه في آفاق الحياة والروح إلا إذا كنا على قرب منهم في الصفاء والرياضة الروحية التي كانوا يزاولونها. فالأسلوب العلمي يحتم على من يريد الإنكار عليهم أن يقارب منهم ويزاول ما يزاولون، وهم يقولون إننا نرى أشياء ونصل إلى درجة

<<  <  ج:
ص:  >  >>