للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولم يكن سعد مصيباً في ظنه، فقد كانت سعاد مطمئنة إلى حسن نيته، وصفاء سريرته، غير ناسية شعار العذريين (إن في فتياتنا صباحة وفي فتياننا عفة)، ولم تكن كذلك ناقمة منه نسيبه بها، بل نزل على قلبها برداً وسلاماً! وأي فتاة لا تستروح إلى حديث الحب البريء، ولا تهفو إلى رؤية محاسنها مفرغة في قوالب الشعر المذهبات؟!

ولكن الفتاة كانت عاقلة أريبة بعيدة النظر، فخشيت أن يستحلي الشاعر هذا المرعى المؤنق، ويتمادى في إعلان صبوته، وتجري مقطعاته ورقائقه على ألسنة الرواة فتفتضح بها، ويقف ذلك عقبة في بلوغ أمنية تعدل عندها الحياة! وهي زواجها من ابن العم الحبيب الذي ينزل منها في سواد العين والفؤاد! فأرادت أن تتخلف عن لقائه أياماً تتصنع فيها المرض عل ثورته تهدأ وشقشقته تقر! وما درت سعاد - عفا الله عنها - أن ما حسبته دواء هو الداء الأكبر بل الموت الأحمر!:

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد

وبينما كان الفتى متوّحداً في الصحراء تتوزّعه الهواجس، ويخبط من حيرته في مثل قطع الليل المظلم! لمعت في ذهنه خاطرة استنار منها وجهه وثلج لها فؤاده، فصكّ جبهته وصاح: الحمد لله لقد اهتديت!

وما عتّم أن انكفأ بالرّاغية والثّاغية إلى مضارب الخيام، ثم عطف على طِراف ممدّد فدخل إلى عمه الشيخ، فإذا هو مُحتب فوق لبدة يمشّط لحيته اللِّيفانيّة

حيّا الفتى عمه الشيخ فرد عليه بأحسن منها، ودعاه إلى الجلوس فجلس قُبالته محتشماً وانقضت فترة كان فيها زائغ البصر شارد العقل جمّ البلابل! ثم تغلب على وساوسه وقال بصوت متقطع النبرات:

- عمي وأبي بعد أبي!

- لبيك ولدي وَوَصَلتك رَحِم!

- جئت أخطب إليك سعاد

فحل الشيخ حبوته وابتسم قائلاً: سعد يخطب سعاد! هو الفحل لا يُقدع أنفه!

فنكّس الفتى رأسه مستحيياً وفي منبت كل شعرة من وجهه ثغر ضاحك!

وكان لسعد صِرمة من الإبل وثلة من الضأن والمعِز ورثها عن أبيه الذي مات عنه - وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>