وما هي إلا أيام قلائل حتى أُهديت الفتاة إليه في ليلة أضحيانية قمراء، تحف بها كوكبة من أترابها يتغنين ويضربن بالدفوف، وأمامهن الجواري الصغيرات يعزفن ويرقصن، ومن حولهن فتيان الحي يتشاولون بالسيوف ويتناضلون بالسهام، ويتسابقون على صهوات الخيل العراب! فبلغوا بجاداً من الوبر ضُرب لها خاصة على مسافة غلوة من الحي، فأدخلوها فيه وجلس إلى جانبها الزوج، وأُفرغ على رأسهما نثار التمر عملاً بسنة البدو! وبقي أهل الحي نساء ورجالاً في لهو وسمر حتى انفجر الفجر، فودعوهما داعين لهما بالرِّفاء والبنين!
ومضى عامان أجردان نعم فيهما العروسان بما جاوز قدر الأمل؛ من حياة لينة هنيئة وعيش ألمى الظلال، وحب على الأيام يزداد حِدّة وجدّة! ولكن صدق من قال:(وعند صفو الليالي يحدث الكدر)!
فإن كلف الزوج بعرسه وابتغاءه مرضاتها، جعله يبسُط يده كل البسط في الإنفاق عليها، فكان يرد الحواضر وأسواق العرب يبتاع لها الطرائف: من عصب اليمن وريط الشام ومناديل مصر وعطور الهند وزعفران البلقاء مبالغة في ترفيهها وتدليلها، مع نصحها له بالقصد والاعتدال، ونفورها من هذا التَّرف الذي يجرّدها من وسم البادية وشارتها المحبوبة
فلم يرعو الزوج العاشق، وسدر في غُلوائه حتى أتلف ماله، ولم يبق له سبد ولا لبد! فتلقت سعاد هذه الجائحة بالصبر الجميل! وضاعفت من حبها للفتى وحدبها عليه لترّفه عنه حرّ المصاب!
ولكن الأمر لا يعنيها وحدها، فهناك أبوها وهو وإن كان من قوم جُبلوا من طينة العواطف، ووسموا برقة الشعور، وسنُّوا للناس سنن الموت في الحبّ! إلا أنه كان أعرابياً جافي الخليقة غليظ الكبد! لا يفهم من الحياة غير رُغاء الإبل وثُغاء الشاء والَّصرَّ والحلاب، فأنف لابنته خشونة العيش، وتعاظمه أن تلفحها سموم الفاقة في طراءة السن وغضارة الشباب!
فقطع صلتها ببعلها واحتجزها عنده وسعى في خلاصها منه! فرفع الزوج الأمر إلى والي تلك الجهة الأموي المفتون المدل بمكانه من قريش وبمكانه من الخليفة مروان ابن الحكم. وكانت سعاد قد وصفت له في بعض قدماته إلى البادية، فعشقها على السماع - والأذن