ثبت أن النبات يتألم، والحيوان مهما كان دنيئاً فهو من أرقى حياة وروحاً من النبات، إذ أنه كلما ارتقى الكائن الحي ارتقت روحه وزاد إحساسها وزادت قدرتها على التعبير عن نفسها
أما الرفيع من الحيوان الذي تتضح مقدرته على التلاؤم مع ظروف الحياة الطارئة المتجددة، فهذا يصعب تصوره محروماً من العقل لأن فيه من مظاهر العقل.
صحيح أننا نرى في سلوك الحيوان ما يدل على الغباء أحياناً وما يدل على الغفلة وما يدل على الجهل، ولكننا إذا تدبرنا هذه المواقف التي يظهر فيها غباء الحيوان وغفلته وجهله رأينا أكثرها مما تصطنعه ظروف غير طبيعية في الحياة. ولما كان الحيوان حيواناً وليس أستاذاً من أساتذة العلم الحديث فإنه المسكين يحار ويختبل أمام هذه الظروف الطارئة التي لم يسبق لأجداده الوقوع في مثلها وتجربتها ومعالجتها سبقاً متكرراً كان يمكن أن يهيئه للتغلب عليها، وهو في هذا لا يزال يشبه أساتذة العلم الحديث حينما يقعون أمام المشكلات الحديثة المستغلقة. . . أليسوا هم أنفسهم يحارون ويختبلون؟ ألا يصدر عنهم من الأعمال ما يدل على الغباء والغفلة والجهل كما تصدر عن الحيوان أعمال تدل على هذى؟ إنهم هكذا من غير شك وإن في الحيوان عقلاً ولو تضاءل أمام عقل الإنسان وتواضع فإنه موجود لا يمكن إنكاره
فإذا اعترفنا للحيوان الراقي بوجود العقل، أو بوادر العقل فيه، فإننا لا نملك إذن إلا أن نعترف له إلى جانب هذا بوجود الإحساس والعواطف فيه أيضاً، وقد نستغني عند هذا الحيوان الراقي عن براهين جاجاديزبوز إذا كنا ممن يرون ويشعرون ويحسون ويدركون الأشياء من غير أجهزة ومقاييس وموازين فإذا لم نكن من هؤلاء فقد قال جاجاديزبوز العالم من الهند إن النبات يتألم ويئن، وأثبت هذا إثباتاً يقنع عقل الغرب كما يرضي عقل الشرق، وأصبح من المكابرة بعد هذا أن تنكر الأحاسيس والعواطف على الحيوان، خصوصاً الحيوان الراقي الذي يسلك في حياته سلوكاً يشبه سلوك الإنسان فيبحث عن طعامه بحثاً منطقياً، ويتقي عدوه اتقاء منطقياً، ويبني مسكنه بهندسة منظمة بل إنه يمكر أحياناً، ويتخابث ويحتال، مما يدل دلالة قاطعة على أنه حي يقظ يحاول أن يلائم بين نفسه وبين ظروف الحياة الطارئة فينجح أحياناً، ويفشل أحياناً، ولكنه لا يكف عن المحاولة ما دام حياً
فإذا تركنا حياة النبات والحيوان وقد تراءت لنا الروح فيها وعرجنا على حياة الإنسان