رأيناها أنضج من حياتيهما في نواحيها الثلاث: النبات يحس ويعبر عن إحساسه، والحيوان يحس ويعقل ويعبر عن إحساسه وعقله، والإنسان يحس ويعقل ويعبر عن إحساسه وعقله
فهل يزيد الإنسان على الحيوان في شيء. . .؟
لا جاجاديزبوز ولا حتى أنا نرضى بهذا! ولا يرضى به شرقي
قد كان من الممكن أن يقال هذا لو لم نقل إن الإنسان حلقة جديدة هي أرقى الحلقات في سلسلة التطور والارتقاء في الخلائق. وما دمنا قد قلنا هذا، وما دمنا رأينا التطور والارتقاء الماديين يلزمهما تطور وارتقاء روحيان، فلا بد أن يكون في الإنسان ميزة روحية ترقى به على الحيوان إلى جانب رقيه البدني المادي.
فما هي هذه الميزة الروحية؟
لنعد مرة أخرى إلى النبات والحيوان نتتبع فيهما منطق التطور والارتقاء لنهتدي به فيما نريد أن نعرفه من علامة الإنسانية التي لو فقدها الإنسان لم يكون غير حيوان، وإن نطق! فليس النطق على أشرف صورتيه إلا محاولة عقلية. . . أما الصورة الأخرى فهي التي نعرفها من الببغاء التي أنطقها الله لأمر ما، والتي لعله سبحانه أراد حين أنطقها أن يدرك المبتصرون شيئاً من تشابه الخلائق، وبريقاً من التوحد يسطع منها جميعاً، وإن تفاعلت وتبدلت وتطورت وارتقت. . .
النبات يرتقي حتى ليشابه الحيوان في حلقة الإسفنج، والحيوان يرتقي حتى ليشابه الإنسان في القرد أو ما هو أرقى خلقاً من القرد وهو الحلقة المفقودة التي ذكرها العلماء. وقد رأينا الإحساس يبدأ في الحياة أولاً ومعه تعبير صامت عنه، ثم نرى العقل ينشأ في الحيوانات المحتالة ومعه تعبير غامض عنه لم يثبت بعد للعلم، ولكننا قبل أن نترك حلقة الحيوان إلى حلقة الإنسان نرى الحيوان يعبر عن إحساسه تعبيراً فيه تدليل على ذاته، وهو أشبه التعبير بالغناء البشري. فإذا تركنا حلقة الحيوان ومضينا إلى ما بعدها في سلسلة التطور والارتقاء وهي حلقة الإنسان رأينا هذا التعبير الذي يحاوله الحيوان في انحصار يتضح عند الإنسان وينفرج حتى ليسخر له الإنسان الأرقى حواسه جميعاً يجمع أصوله بها ويطلقه فيها، ثم يصدره معبراً عن ذاته كما يفعل البلبل والكروان ولكن في صور أكثر من صورهما، ثم معبراً بعد ذلك عن غيره، وهو مالا يفعله أحد من الحيوان، لا البلبل ولا الكروان.