للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لغة الطبقة المديرة والمستنيرة في جميع أنحاء أوربا الغربية عند ما دخلت تحت حكم روما، كما أصبحت لغة الدين والصلاة في تلك البلاد عندما اعتنقت الديانة المسيحية؛ وأخيرا صارت من دعائم الكنيسة الكاثوليكية عندما تكونت الكنيسة المذكورة وأخذت تبسط سلطتها على جميع الدول والدويلات التي تدين بها. فقد تبنَّت الكنيسة اللغة اللاتينية واتخذتها واسطة لضمان وحدتها، ولذلك عملت على نشرها في جميع البلاد التي دخلت تحت حوزتها، حتى بعد تضاؤل سلطة الإمبراطورية الرومانية وزوالها بصورة نهائية. . .

وأما اليونانية فقد حافظت على كيانها في معظم البلاد التي انتشرت فيها بالرغم من استيلاء الرومان عليها، كما أنها أصبحت لغة الدولة بعد انفصال الشرق عن الغرب، وتكوّن الإمبراطورية الشرقية مستقلة عن إمبراطورية روما الغربية، كما أصبحت لغة الدين والصلاة في العالم الأرثوذكسي عندما اعتنقت الإمبراطورية المذكورة الديانة المسيحية. . .

بهذه الصورة تقاسمت اللغتان اللاتينية واليونانية السيطرة على الحياة الدينية في أوربا المسيحية، فأصبحت الطقوس والصلوات المسيحية تحت احتكار اللاتينية في أوربا الغربية في جميع البلاد التي اعتنقت المذهب الكاثوليكي، وتحت احتكار اليونانية في أوربا الشرقية - في جميع البلاد التي اعتنقت المذهب الأرثوذكسي - واستمر الحال على هذا المنوال طوال القرون الوسطى حتى حلول عصر النهضة وظهور البروتستانتية. . .

وأما الحياة الأدبية العلمية، في القرون الوسطى، فمن المعلوم أنها لم تجد من يزاولها ويهتم بها إلا من بين رجال الدين؛ فعاشت وترعرعت تحت ظلال الكنائس وفي أروقة الأديرة وارتبطت لذلك - هي أيضا - باللغة اللاتينية. فأصبحت هذه اللغة لغة العلم والأدب في جميع بلاد الغرب علاوة على كونها لغة الدين والصلاة. . .

من المعلوم أن اللاتينية تغلغلت في بعض البلاد الغربية بين جميع طبقات الناس، فأصبحت لغة العوام، وأخذت تتطور من جراء ذلك بصورة تدريجية إلى أن ولدت اللغات التي عرفت فيما بعد بالإيطالية، والفرنسية، والإسبانية، والرومانية. مع هذا ظلت اللاتينية الأصلية لغة الدين والصلاة، ولغة العلم والأدب، حتى في تلك البلاد، وحتى بعد تكون اللغات المذكورة واستقلالها عن دوحتها الأصلية.

إن الجامعات الأوربية والمعاهد التعليمية التابعة لها، أخذت تتأسس - في القرون الوسطى

<<  <  ج:
ص:  >  >>