إن الأدب العربي هو الصورة الناطقة من ماضي الأمة العربية وهو في الواقع أدب أصيل لا يستهين به إلا حاقد أو جهول، وهو كذلك صورة من العِرض المصون في عهود التاريخ، فكيف يجوز أن نسامح من يفترون عليه أقبح الافتراء ولو كانوا من كرام الأصدقاء؟
الله يشهد أني متوجع لما صنعت بالأستاذ أحمد أمين، وهو رجل له ماضٍ في خدمة الدراسات الإسلامية، وله مواقف في مؤازرتي سأذكرها وإن طال الزمان؛ ولكنه في الأعوام الأخيرة أصيب بمرض عضال هو السخرية من ماضي الأمة العربية، وأُغرم بضرب من الحذلقة لا يقره عليه غير الأصحاب المتلطفين الذين لا يهمهم غير الاقتراب من روحه اللطيف!
والأدب القديم الذي يتنكر له أحمد أمين هو نفسه الأدب الذي لم يستنصر بغيره حين جاز له أن يشتمنا وهو ظلوم.
الأدب القديم يقول:(أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك) فإن توجع هذا الصديق مما أسلفنا في الهجوم عليه فمن واجبه أن يذكر أننا أدينا لمصر خدمة عظيمة حين واجهناه بالملام، فقد كان من المنتظر أن يشرب الكأس المرة من النقاد في الشام ولبنان والحجاز والعراق واليمن وتونس والجزائر ومراكش، وما إلى هؤلاء من الأقطار التي تساير الآداب العربية.
قد يقول قائل: وما معنى هذا الكلام؟ أيكون معناه أني أشفق على الأستاذ أحمد أمين بعد أن أصليته نار العذاب؟
هو ذلك، فما كان أحمد أمين إلا نباتاً مصرياً وإن عرّض مصر لأشنع ضروب المهلكات.
أحمد أمين رجل فاضل وإن تردى في هاوية العماية والجهل حين حكم بأن أدباء العرب كانوا أصحاب معدات لا أصحاب أرواح.
وما كان لي أن أطيل في شرح هذه المعاني لولا أن عرفت أن رجالا لهم أقدار عالية دعوني إلى مسالمة هذا الصديق.
فليعرفوا - غير مأمورين - أني لا أهجم عليه إلا ابتغاء وجه الحق، ولن أتركه في أمان حتى يعرف أن الأدب العربي أقوى وأعظم من أن يتعرض له باحث بسخرية واستخفاف،