اليهود كانوا يعبرون عن أغراضهم بلغات أجنبية، ولم يفكروا يوماً في خلق عصبية للغة العبرية قبل فكرة الصهيونية؟
اللغة العبرية تصلح لتدريس جميع العلوم وهي في فقر مُدقع؛ أما اللغة العربية فتعجز عن تدريس العلوم مع أنها كانت لغة دولية في مدة دامت نحو خمسة قرون، ومع أنها استطاعت أن تحفظ الذخائر مما خلّف الفرس واليونان!
صلحت اللغة العبرية لتدريس جميع العلوم لأن اليهود أرادوا أن يخلقوا لأنفسهم ذاتية قومية، وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد أما اللغة التي يتكلمها أقوام يشارفون مائة مليون والتي أمدت بحيويتها كثيرا من اللغات الشرقية، والتي تنزل في أنفس الملايين منزلة التقديس، والتي تحتل أقطاراٌ حملت أعباء المدنية في مختلف عهود التاريخ، والتي خُدِمتْ خدمة لم تظهر بمثلها لغة من لغات الغرب، والتي عجز الدهر عن تبديد ما تملك من ذخائر ونفائس، والتي سخّر الله لخدمتها مئات من الأجانب في الجامعات الأوربية والأمريكية.
هذه اللغة الفنية - لغة العرب - هي اللغة التي يقال إنها تعجز عن تأدية الأغراض العلمية، بفضل حذلقة السادة الأفاضل الذين يرون في تجريحها بابا من الشهرة والنباهة وبعد الصيت!
وأعيذ القارئ من الاستهانة بقيمة هذا الاستطراد: فهو متصل بدفع سخرية أحمد أمين من الأدب العربي، وإنما عبنا عليه تلك السخرية لأنها من الشواهد على أنه غير موصول الأواصر بذلك الأدب الرفيع. فلو أن أحمد أمين كان تذوق أدب العرب لأصبح مجنون ليلاه، ولكنه مر به مرور العابرين من أبناء السبيل، وقديماً قال الحكماء:(من جهل شيئا عاداه).
وهنا شبهة يجب تبديدها لينتهي أحمد أمين. فهذا الرجل يرد علينا قائلا: إن الأدب يخدم بالنقد أكثر مما يخدم بالتقريظ. وهذا حق، ولكن هل يدرك المراد من النقد؟
النقد هو في الأصل تمييز الزائف من الصحيح فيدخل فيه اللوم ويدخل فيه الثناء، ولكن أحمد أمين يتوهم أن النقد مقصور على التجريح، ويرى الكلمة الطيبة بابا من التقريظ، وهو عنده معيب. ونحن نقول بلا تردد إن الأدب العربي أدب أصيل والزائف منه لا يقام له وزن بجانب الصحيح، فكيف انحرف بصره عن المحاسن ولم يشهد غير العيوب؟