والمناقشات، تناولت مسألة (التعليم الثانوي) من وجوهها العديدة، حتى أنها أثارت مسألة (التدريس التثقيفي) من أسسها العميقة. . .
انشطر المفكرون والمربون حيال مسالة اللغتين اللاتينية واليونانية إلى معسكرين متخاصمين: معسكر الذين يقولون بوجوب المحافظة على هاتين اللغتين القديمتين في المدارس الثانوية، ومعسكر الذين يعتقدون بوجوب تخليص المدارس المذكورة منهما.
بدأت المناقشات بين المعارضين والمدافعين منذ قرن تقريباً؛ وهي تشتد أحياناً وتفتر أحياناً؛ وتضطر الحكومات إلى اتخاذ قرارات عملية جديدة، تحت ضغط هذه المناقشات، من حين إلى حين.
إن النزاع حول هذه المسألة صار أشد عنفاً واعمق أثراً في فرنسا مما كان في البلاد الأخرى. . . ولهذا السبب، أرى من الموافق أن نلقي نظرة عامة على الآراء التي استند إليها المعارضون والمدافعون، في المملكة المذكورة بوجه خاص:
يقول أنصار اللغات القديمة: إن في تعليم هذه اللغات فوائد عظيمة - مباشرة وغير مباشرة، قريبة وبعيدة، عملية ونظرية، تعليمية وتثقيفية - لا تضاهيها الفوائد التي يمكن الحصول عليها من تعليم أية لغة من اللغات الحية، وأي فرع من فروع الدراسة الأخرى. . .
وأما أنواع هذه الفوائد، فتتلخص في الأمور التالية:
(ا) إن اللاتينية أم اللغة الفرنسية ومصدر مفرداتها؛ فإتقان اللغة الفرنسية اتقاناً يضمن الأخذ بناصيتها، لا يمكن إن يتم بدون معرفة اللغة اللاتينية. . .
(ب) إن الآداب الفرنسية تأثرت بالآداب اللاتينية واليونانية تأثراً كبيراً. فمعرفة الآداب الفرنسية معرفة عميقة يتوقف على درس الآداب اللاتينية واليونانية دراسة كافية.
(ج) إن خزائن الأدب اللاتيني واليوناني مملوءة بالآثار الخالدة التي تصور أسمى نزعات الإنسان بأجمل الأساليب؛ فالاطلاع على هذه الآثار الخالدة من الأمور الضرورية لتكوين الثقافة السامية.
(د) إن الحقوق الفرنسية مؤسسة على الحقوق الرومانية، والتعمق في هذه الحقوق يتطلب معرفة مصادرها، وفهم هذه المصادر يتوقف على معرفة اللاتينية.