(هـ) لقد أصبحت اللاتينية واليونانية مصدر الاصطلاحات العلمية ولا سيما ما يتعلق منها بالتاريخ الطبيعي والطب والكيمياء وأنواع المخترعات الحديثة، ومعرفة معاني هذه الاصطلاحات العلمية - وصوغ أمثالها عند الحاجة - مما يتطلب معرفة هاتين اللغتين.
(و) إن تعليم اليونانية واللاتينية من احسن وأنجع الوسائل التثقيفية؛ فأن هذا التعليم يلعب دوراً هاماً في تكوين العقل وتقويمه وتعويده على التفكير الصحيح المستقيم ولا يوجد موضوع دراسي يضاهي هذا التعليم من وجهة هذا العمل التثقيفي. ولذلك يجب أن نعتبر تعليم اللاتينية واليونانية بمثابة حجر الزاوية في صرح التثقيف.
إن جميع العظماء الذين نعرفهم ونفتخر بهم - من أساطين الأدب إلى جهابذة الفقه والعلم - قد تثقفوا بهذه الثقافة واستفادوا منها فلا يجوز لنا أن نهملها. . . ويجب أن نعلم حق العلم أن إهمال هذه الثقافة التي أثبتت جدارتها بالثمرات الثمينة التي آتتها للامة الفرنسية يكون بمثابة تعريض مستقبل هذه الأمة إلى خطر عظيم، خطر انحطاط الثقافة العامة التي تفتخر بها: وخطر الدراس جيل أعاظم الأدباء والعلماء الذين نعجب بهم.
هكذا كان يقول أنصار اللاتينية واليونانية.
وأما معارضو هؤلاء فيقولون: أن اللاتينية واليونانية من اللغات الميتة التي ترجع إلى العهود البائدة؛ وإن الحضارات والثقافات التي تتمثل في هاتين اللغتين أصبحت مدفونة في أغوار التاريخ ولو كانت سامية وباهرة أبان حياتها. فليس من المعقول أن نصرف - في هذا العصر الذي نعيش فيه - كل هذه الأوقات، ونستنفد كل هذه الجهود في سبيل تعلم وتعليم مثل هذه اللغات البائدة. . .
وأما الفوائد الآنفة الذكر فيفندها المعارضون واحدة فواحدة كما يلي:
(أ) لا شك في أن اللاتينية هي أم الفرنسية ومصدرها الأصلي؛ غير أن ذلك لا يدل على أن إتقان الفرنسية يتطلب معرفة اللاتينية. فالفرنسية اليوم، أصبحت لغة مستقلة عن اللاتينية استقلالا تاماً؛ فيجب أن تدرس درساً مباشراً، حسب معانيها وقواعدها وأساليبها الخاصة بها، بقطع النظر عن مصادرها الأصلية وتطوراتها التاريخية. وأما درس تلك المصادر، وتتبع تلك التطورات، فمما يجب أن يختص به العلماء الذين يودون أن يتبحروا في فقه اللغة ويتعمقوا في تاريخها؛ ولم يكن من الأمور التي يجب أن تعتبر من أسس