قالوا وقد أكثروا في حبه عَذَلي: ... لو لم تهم بمُذال القدر مبتذلِ!
فقلت: لو كان أمري في الصبابة لي ... لاخترتُ ذاك ولكن ليس ذلك لي
علقتُهُ حَبَيَّ الثغر عاطرهُ ... حلو اللمى ساحر الأجفان والمقل
غُزِّيلٌ لم تزل في الغزل جائلةً ... بنانُهُ جوَلان الفِكر في الغزَل
جذلان تلعب بالمحواك أنملهُ ... على السَّدى لعب الأيام بالأجل
ضًّما بكفيه أو فحصاً بأخُمصهِ ... تخبُّط الظبي في أشراك محتَبِل
ألا تدل هذه القطعة على أن الشاعر قوي الإحساس بالوجود؟ وهل فكر أحمد أمين أن الأندلسيين لهم أمثال هذه المعاني؟
وهل عرف أن منهم من قال في وصف راقص مليح:
ومُنزّع الحركات يلعب بالنُّهى ... لبس المحاسن عند خلع لباسهِ
متأوِّداً كالغصن وسْط رياضه ... متلاعباً كالظبي عند كناسه
بالعقل يلعب مدبراً أو مقبلاً ... كالدهر يلعب كيف شاء بناسه
ويضم للقدمين منه رأسه ... كالسيف ضمّ ذبابه لرياسهِ
ألا تعد هذه القطعة من غرائب الشعر البديع الذي يمثل الإحساس بالوجود؟
وهل عرف أن في الأندلسيين من قال:
عاطيته والليل يسحب ذيلهُ ... صهباء كالمسك الفتيق لناشقٍ
وضممته ضمّ الكمىّ لسيفه ... وذؤابتاه حمائلٌ في عاتقي
حتى إذا مالت به سِنة الكرى ... زحزحتُه شيئاً وكان معانقي
باعدتُهُ عن أضلع تشتاقهُ ... كيلا ينام على وسادٍ خافق
فهذا شاعر حي العواطف، مشبوب لأحاسيس، يدرك جمال الوجود في أوقات الصفاء، ويواجه الطبيعة بنظر ثاقب، وقلب خفاق.
وما رأي صاحبنا في قصيدة ابن هاني:
فمن في مأتمٍ على العشاقِ ... ولبسن السواد في الأحداق
وهي قصيدة يحفظها أكثر الأدباء، وفيها من وصف الطبيعة ألوان.
وما قوله في أرجوزته القافية التي وصف فيها الساقي فقال: