للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهنا أستأنس بكلمة قرأتها للأستاذ العقاد منذ سنين وهو يفاضل بين البحتري وشوقي، فقد نص على أن شوقي وصف الطبيعة بعد أن صار وصفها من المذاهب الأدبية، أما البحتري فوصفها بوحي من الفطرة. وكذلك أقول في الحكم لأهل الأندلس: فهم لم يتعمدوا وصف الطبيعة ليقال انهم تذوقوها وأحسوها! وإنما وصفوها بوحي من الفطرة فكانت أوصافهم أبلغ في الدلالة على سلامة الذوق، وقوة الطبع، وأصالة البيان.

ويتحذلق أحمد أمين فيقول: أين الشاعر الذي رأى نفسه جزءاً من الطبيعة على حد قول الحلاج:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرته أبصرتني ... وإذا أبصرتني أبصرتنا

ونقول إن الحلاج بحمد الله شاعر عربي، وشعره زكاة عن العرب الذين اتهمهم أحمد أمين، وأبيات الحلاج هي اندماج في الطبيعة، ولذلك تفصيل يراه من شاء في كتاب التصوف الإسلامي عند شرح نظرية وحدة الوجود، حتى لا يظن ظان أن أحمد أمين أول من التفت إلى هذه الشؤون.

ولكن ما بال صاحبنا يغفل عن أبيات الشاعر الأندلسي الذي منح الطبيعة خصائص النفس الإنسانية حين قال:

وقانا لفحةَ الرمضاء وادٍ ... سقاه مضاعَفُ الغيث العميم

نزلنا دوحه فحنا علينا ... حَنُوَّ المرضعات على الفطيم

وأرشفَنا على ظمأ زُلالاً ... ألذّ من المدامة للنديم

يصدُّ الشمسَ أني واجهتْنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم

وهل يعرف أحمد أمين أن نظرية وحدة الوجود وهي أعظم تقديس للطبيعة لم يشرحها أحد بمثل ما شرحها الصوفية في الأندلس؟

وهل عرف أن أبن عربي له في ذلك آيات بينات؟

وهل فطن إلى أن أبن زيدون جمع إلى روحه أطراف الوجود حين قال:

يُدنى خيالكِ حين شطَّ به النوى ... وهمٌ أكاد به أُقبِّل فاكِ

أما بعد فقد زعم أحمد أمين أن ابن خفاجة الملقب بشاعر الطبيعة لم يجد غير الصياغة، ولم

<<  <  ج:
ص:  >  >>