لهم أنا قتلته ويومئ إلى نفسه أنه هو قتلني)
وفي هذه الوقعة يقول الفرزدق:
كيف ترى بطشة الله التي بطشت ... بابن المهلب إن الله ذو نقم
كم فرج الله عنا كرب مظلمة ... بسيف مسلمة الضراب للبُهَم
ولما ثار يزيد كان الحسن البصري يثبط الناس عنه، قال يوماً في مجلسه: يا عجبا لفاسق من الفاسقين، ومارق من المارقين غبر برهة من دهره ينتهك لله في هؤلاء القوم كل حرمة، ويركب لهم كل معصية، ويأكل ما أكلوا، ويقتل من قتلوا حتى إذا منعوه لماظة كان يتلمظها قال: أنا لله غضبان فاغضبوا، ونصب قصباً عليها خرق وتبعه رِجرجة رعاع هباء ما لهم أفئدة، وقال أدعوكم إلى سنة عمر بن عبد العزيز. فبلغ ذلك يزيد، فأتى الحسن هو وبعض بني عمه إلى حلقته في المسجد متنكرين فسلموا عليه ثم خلوا به، وصار الناس ينظرون إليهم فلاحاه يزيد، فدخل في ملاحاتهما ابن عم يزيد فقال له الحسن: فما أنت وذاك يا ابن اللخناء، فاخترط سيفه ليضربه به فقال يزيد: ما تصنع؟ قال: أقتله، فقال له يزيد: أغمد سيفك فوالله لو فعلت لانقلب من معنا علينا
يقول الأستاذ: (ومدح الفرزدق في جملته من أبواب شعره الجيدة، ومن أحسنه قوله:
إني أرى يزيد عند شبابه ... لبس التقى ومهابة الجبارِ
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرقاب نواكس الأبصارِ
وروى له من هذا الجيد غير ذلك
رثي الفرزدق و (رثاء الفرزدق قليل، وهو إذا قيس ببقية أبواب شعره يقع مقصراً، وما قاله عن اضطرار أو عن خوف ينم على قوة ومقدرة كرثائه للحجاج وأخيه وابنه)
يقول في الحجاج:
ليبك على الحجاج من كان باكياً ... على الدين أو شارٍ على الثغر واقفِ
وأيتامُ سوداء الذراعين لم يدع ... له الدهر مالاً بالسنين الجوالف!
ومهمِلة لما أتاها نعيه ... أراحت عليها مهمَلات التنائف
فقالت لعبديها: أريحا فعقّلا ... فقد مات راعي ذودنا بالطرائف!
ومات الذي على الناس دينهم ... ويضرب بالهنديَّ رأس المخالف!