البعث. وقد يقال بأنه يؤمن ببعث الأرواح دون الأجساد فقد قال:(عززت باعث الأرواح) ولكنه قال: (والله باعث الأرمام) وقال: (ولا يمتنع أن يكون (جسد) الصالح إذا قبر في نعيم، و (جسد) الكافر في عذاب أليم) فهو لم يجزم بشيء. فالأمر لديه أمر لا يمتنع. ثم هو يتساءل لماذا يعذب الله المسيء ويثيب المحسن وكل الفعلين قد صنع؟ ولكنه يتراجع متهماً نفسه (فسبحان الله غافر ومعذباً. آلرشد دفين أم أنا أفين؟) لا يركن إلى حال من الطمأنينة والثبات كما قلت: (فالدنيا فانية، والنفس لا تأمن التبعات)(ولي ينذر أن الحازم حذر وقد أمنت وأنا مسيء) لذلك فهو يرى أن (الحازم الذي لا يأبس، يمجد الله ويقدس، وبغير طاعته لا ينبس (لعل) الأجل يدركه من أهل الصفاء.)
وكل ما يمكن أن نأخذه عن أبي العلاء في أمر التكليف وشأن البعث إنما هو جهل لا يثبت شيئاً وتوقف ولا ينفي شيئاً، ولعلنا لو قرأنا الكتاب جميعاً لن نجد ما يمثل آراءه في صراحة أحسن من قوله:(وقول الحق أمثل من السكوت، واستقامة العالم لا تكون، ولذة الدنيا منقطعة. وخبر الميت غير جلي، إلا أنه قد لقي ما حذر فاسع لنفسك الخاطئة في الصلاح)
وأبو العلاء حين يتعرض (للفاسق) ومرتكب الكبيرة أهو خالد في النار، نجده يميل إلى التفاؤل تارة فيعتقد أن (غفران إلهنا مأمول ولكنك أيتها الحشاشة فرطت فأوبقت، فانظري هل لك من متاب)(أن لقيتِ شراً فما أجدركِ، وإن لَقيتِ خيراً فإن الله صفوح لا يعجز ولا يشبه العاجزين) وهو يتفاءل حين يقرر أنه (ما جنت السيئة فالحسنة تديه والله غافر ذنوب المنيبين) بل هو يذهب إلى أبعد حدود التفاؤل: (لا آيسُ من رحمة الله ولو نظمت ذنوباً مثل الجبال سوداً كأنهن بنات جمير ووضعتهن في عنق الضعيفة كما ينظم صغار اللؤلؤ فيما طال من العقود، ولو سفكت دم الأبرار حتى أستنَّ فيه كاستنان الحوت في معظم البحر، وثوباي من النجيع كالشقيقين، والتربة منه مثل الصربة؛ لرجوت المغفرة إن أدركني وقت للتوبة قصير ما لم يحل الغصص دون القصص، والجريض دون التعريض، ولو بنيت بيتاً من الجرائم أسود كبيت الشعر يلحق بأعنان السماء ويستقل عموده كاستقلال عمود الوضح، وتمتد أطنابه في السهل والجبل كامتداد حبال الشمس، لهدمه عفو الله حتى لا يوجد له ظل من غير كباث) فانظر إلى أي حد يطمع في عفو الله، ويؤمل مغفرته. على