للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علمت قرب انتقاله - إلا عابسة غاضبة، فكان أنفها البارز المحدب ينتفض ويضطرب، وعيناها البراقتان يتطاير منهما الشرر، إذا طلب قليلا من الماء الساخن ليستعين به على حلق لحيته. . والويل له ان تخلف عن موعد الطعام قليلا: فانه كان يجد المائدة قد رفعت؛ فإذا نظر إلى ما حوله ألفى وجوهاً عابسة تنذره بالشر المستطير إن هو حدثته نفسه بالحصول على شيء من القوت الذي فاته. . فكان نؤثر الصمت وينسل إلى غرفته في سكون وهدوء.

ان هذا الاضطهاد العجيب كثيراً ما كان يضحكه؛ وكثيراً ما سأل نفسه أيمكن أن تقسو عليه هذه اليهودية كل هذه القسوة لا لسبب سوى أنه يؤثر أن يسكن في ظاهر المدينة حيث الهواء الطلق والسكون الشامل؟ إن أحد الناس أخبره فيما بعد أن هذه اليهودية لم تظلمه ولم تضطهده إلا لكي تثأر منه: لما جناه أجداده الفراعنة في الزمن القديم على بني إسرائيل، حيث كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم. . . وكثيراً ما أغرب حسن في الضحك كلما خطر له هذا الرأي الظريف. . .

ومهما يكن من أمر، فان هذا اليوم من تشرين الأول هو آخر أيام الاضطهاد وأول أيام الحرية. فلن يطالبهم اليوم بالماء الساخن؛ واذا قدم اليه الشاي بارداً والبيض فاسداً في طعام الفطور، فانه لن ينبس بكلمة. . . ثم أخذ يعد أمتعته ويحزم حقائبه. وقبيل الظهر بساعة كان قد أعد العدة للرحيل. . .

ومشى على استحياء إلى ربة المنزل، فحيته في تكلف وفتور. أما هو فابسم لها ابتسامة ظنها ابتسامة الظفر؛ وقدم لابنتها الصغيرة (سارة) صندوقاً جميلاً مفعماً بالحلوى؛ ونفح الخادم بضعة شلنات أنطقتها بالشكر.

ثم انطلقت به السيارة وبأمتعته وحقائبه تلقاء ذلك المنزل، رقم ١٧ المطل على الحديقة الغناء؛ وصدره مملوء غبطة لم يحس مثلها منذ نزل على ضفاف (المرزي) وأخرج من جيبه مرآة صغيرة فأصلح الرباط الذي يحيط بعنقه، والذي تزعزع كثيراً أثناء نقله لحقائبه من الغرفة العليا إلى التاكس. .

لم يكن حسن قبيح الصورة، ولكنه من غير شك كان أسمر اللون. وقد أخذ يحس احساساً مبهما إن هذه السمرة قد تكون من جملة الأسباب التي أغلقت دونه أبواب القلوب. . . لكنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>